كيف يتم اختيار الفائز بجائزة نوبل في العلوم؟
في الوصية التي تركها
ألفريد نوبل، المهندس السويدي الذي اخترع الديناميت، قبل حوالي قرن ونصف
القرن من الآن، خصّص معظم ثروته لمشروع يقدم خمس جوائز كبيرة للمبدعين في
مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد والآداب. اشترط نوبل لكي يحصل
شخص ما على الجائزة أن يقدم فائدة كبيرة للبشرية جمعاء، وأن يكون ذلك بحد
أقصى ثلاثة أشخاص للجائزة الواحدة، جاء ذلك نتيجة لرغبة الرجل في أن يعادل
التأثير السيئ الذي تركه وجود الديناميت في هذا العالم. شروط قاسية
لكن رغم أن الشروط التي وضعها نوبل تبدو بسيطة للوهلة الأولى، فإنها تتطلب
تدخل حوالي ثلاثة آلاف شخص من الأكاديميين حول العالم -في كل جائزة- من
أجل البحث عن أشخاص مناسبين لها، بعد ذلك تتلقى لجنة نوبل تلك الترشيحات.
لكل جائزة لجنة خاصة من توجهات متنوعة أغلبها أكاديمي، تفحص تلك اللجنة
المرشحين وتقيم أعمالهم البحثية، ثم تخفض بعد ذلك عدد المرشحين، الذي قد
يتخطى آلافا عدة، إلى حوالي 300 شخص فقط، بعد ذلك ترسل ملف كل منهم، الذي
أعدّ بعناية، إلى المؤسسات المسؤولة عن إعطاء الجائزة، والتي تحدد الفائز
عبر الاقتراع. يبدأ الإعلان عن الجوائز في الاثنين الأول من شهر
أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، ولا يعلم الفائز بالجائزة إلا قبل الإعلان
بساعات عدة، بينما لا يتمكن المرشحون الآخرون الذين لم يحالفهم التوفيق في
الفوز بالجائزة من معرفة أنه قد تم ترشيحهم إلا بعد مرور خمسين عاما من
إعلان الجائزة التي تم ترشيحهم لها. نوبل للعلوم في نطاق العلوم، فإن ما
أشار نوبل إلى أنها “فائدة كبيرة للبشرية” يساوي أن يقدم الباحث عملا أصيلا
جدا ورصينا للغاية، وهذا أمر نادر الحدوث حقا، لكن لفهم تلك الفكرة دعنا
نبدأ بالتعرف إلى ما يعرف بـ”عدد الاستشهادات”. إذا كان البحث العلمي الذي
تقدمه مميزا ورصينا، فإن ذلك سيدعو الباحثين في المجال نفسه إلى الاستشهاد
بنتائج بحثك في أبحاثهم، وكلما ارتفعت قيمة بحثك ازداد عدد الاستشهادات به،
أما إذا كان البحث غير قيم فإن عددا أقل من الباحثين سيستشهد به. يمكن إذن
النظر إلى عدد الاستشهادات، في النطاق البحثي، على أنه رأس مال الباحث،
وكلما استشهد علماء آخرون ببحثه ارتفعت ثروته، وبالتالي مكانته في الوسط
العلمي، وأصبح الجميع على ثقة في درجة رصانة وقوة تلك الأبحاث. منذ العام
1970 نشر ما يقرب من 47 مليون بحث علمي، وبلغ عدد الأبحاث التي تم
الاستشهاد بها أكثر من 1000 مرة 18700 بحث، وحينما نرفع الحد إلى 2000
استشهاد فإن عدد الأبحاث ينزل إلى 4900 بحث فقط. ليست مجرد جائزة في تلك
المجموعة الصغيرة جدا من الأبحاث ذات عدد الاستشهادات الكبير يمكن أن تجد
مرشحي جائزة نوبل في العلوم، ويكون دور اللجنة الخاصة بتقديم القائمة
النهائية بناء على تفصيلات أساسية تتضمن الإنجاز البحثي للعالم بشكل رئيسي،
ثم الدور الذي لعبته تلك الأبحاث في تغيير العالم وجعله مكانًا أفضل.
لذلك، غالبا ما قد يتكرر ترشيح شخص ما للجائزة بسبب أنها قائمة صغيرة، في
الواقع فإن 75% تقريبا من مرشحي أي عام يكون قد رشحوا مرة واحدة سابقة على
الأقل. نوبل هي الجائزة الأكثر وجاهة وأناقة في تاريخ العلم، حصولك عليها
لا يعني فقط ميدالية ذهبية كبيرة ونحو مليون دولار مع دبلومة من لجنة نوبل،
بل تنتقل من عالم مرموق في نطاقك إلى شخصية عالمية ذات تأثير سياسي
واجتماعي. كذلك فإن الحاصل على نوبل يحصل على تسهيلات كبيرة في المنح
والتمويلات وعروض العمل والتوسع والكتابة في أرقى المجلات. لذلك فإن
الجائزة تأتي كل عام مع قدر كبير من الجدل.
تعليقات
إرسال تعليق