المنظمات الأجنبية.. العمل خلف الستار
كثير من اشكال التواطؤ التي تتورط فيها كثير من المنظمات العاملة في مجال
الاغاثة، لصالح مجموعات دون اخرى، ومن بين تلك الاشكال الانسحاب من مناطق تسيطر عليها
المنظمات الى مجموعات مسلحة دون اخذ كامل معداتهم واجهزة المعاونة التي تستخدم في تسهيل
العمل، او الدعم المباشر سواء مادياً او معنوياً، وهناك كثير من تلك النماذج التي تم
فيها ضبط عدد من مسؤولي المنظمات وقدموا اعترافات واعتذاراً امام السلطات المختصة،
وأمس الاول أعلنت السلطات بولاية غرب دارفور عن فقدان منظمة الإغاثة الكاثولوكية الامريكية
أجهزة اتصال حديثة، ولم تستبعد الولاية وجود تواطؤ من المنظمة مع احدى الحركات او المجموعات
المتفلتة بغرب دارفور.
تجاوزات منظمات
«258» منظمة أجنبية هو حجم المنظمات التي عملت في دارفور، تضم جيشاً جراراً
ممثلاً بحوالى «15» ألف عضو، وتاريخ المنظمات التي عملت في السودان منذ حرب الجنوب
الى حرب دارفور مليء بالتجاوزات، فهناك منظمات تعمل لصالح اجندة دول محددة، وهناك منظمات
تعمل لمصلحتها من خلال بث الشائعات وكتابة التقارير المضللة التي من شأنها أن تزيد
فترة بقاء المنظمة، ومن ثم كسب اموال اضافية من عدد من المتعاطفين مع القضية.
وفي غالبية الصراعات والحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط والعالم،
كانت رائحة النفط والحصول على الموارد تزكم الانوف، برغم ان تلك الموارد او المصالح
لم تكن مرئية في احيان كثيرة. وبدا ان كل هذه الصراعات جزء من صورة متكاملة عنوانها
الصراع العالمي على النفط.
صب الزيت
في حرب الجنوب التي بدأت عام 1983م، كان الدور الأساس للقوى الخارجية
فيها هو صب الزيت على النار لتستمر تلك الحرب لسنوات طويلة، وبالفعل نجحت تلك القوى
الخارجية في ذلك حتى تأكد لها أن السودان يمتلك مخزونات كبيرة من النفط، حينها تغير
التعامل مع القضية، ودخلت الضغوط الدولية خاصة الإدارة الامريكية من اجل التوصل الى
سلام، وبالفعل نجحت في ممارسة ضغوط كبيرة على الحكومة والحركة الشعبية بقيادة الراحل
جون قرنق، الى ان تم توقيع اتفاقية نيفاشا. كثير من المراقبين يتساءلون عن اسباب تمسك
الولايات المتحدة بالتدخل مباشرة في مناطق وبلدان معينة، ورفضها التدخل في مناطق اخرى
شهدت مآسي انسانية كبرى. وسؤال عن السبب وراء الخروج الامريكي السريع من لبنان والصومال،
والتمسك بالتدخل والبقاء في مناطق وبلدان اخرى.
اهتمام متزايد
لقد رتبت الولايات المتحدة كما أشرنا من قبل اتفاق السلام بين الشمال
والجنوب بهدف تحقيق الاستقرار، لكن الصراع انفجر في دارفور مطلع عام 2003م مما ادى
لنزوح الآلاف من المواطنين، وبالتالي فإن البُعد الإنساني دفع الولايات المتحدة للاهتمام
المتزايد بما يحدث في الإقليم، كما أن تعاون حكومة الخرطوم مع إدارة الرئيس بوش ــ
في ذلك الوقت ــ في مكافحة الإرهاب، يستبعد من خلاله أن يكون مرجع الاهتمام الأمريكي،
الخوف من أن تؤدّي تداعيات الوضع في دارفور إلى زيادة نشاط الإرهابيين في غرب إفريقيا.
ويظهر التحرك الأمريكي السريع في دارفور والاهتمام بالقضية منذ زيارة وزير الخارجية
الامريكية كولن باول الى دارفور، ويبدو ان الادارة الامريكية ارادت الاسراع بأخذ زمام
المبادرة وقطع الطريق على اي طرف آخر، ومعروف أن هناك دوائر تسعى لكسب السيطرة على
اية منطقة تزخر بالثروات، وهو الصراع الذي يدور بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
فكرة التدخل السريع
لقد جاءت فكرة التدخل الإنساني الذي يقنن الوجود الأجنبي بالدول من فكرة
«واجب التدخل» التي كانت مبادرة من الرئيس الفرنسي عام 1981م، وأخذت المبادرة طريقها
للقانون الدولي فاعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصبح أن من واجب الدول التدخل
لتقديم المساعدة للمتضررين، لكن هنالك بعض الدول لها مآرب وغايات ذاتية ترتبط بمصالحها
الشخصية وأطماعها في استغلال ثروات هذا البلد، فضلاً عن ذلك هناك دول تسعى لتغيير خريطة
العالم على نحو يتماشى وتحقيق مصالحها وغاياتها، فالوجود الأجنبي يتم في الغالب بواسطة
دعم المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وهي تمارس نشاطها بدعوى التدخل الإنساني،
إلاَّ أنها كثيراً ما تسعى لتحقيق غاياتها ومصالحها.
ورغم الغطاء الانساني الا ان هناك جانباً من المخاطر أو الآثار السالبة
للتدخلات بشأن إنقاذ الوضع الإنساني، فقد ساهم التدخل في تطوير كثير من النزاعات في
مختلف البلدان مما قلص أهمية الأهداف طويلة الأجل لهذا النوع من التدخل، وفي حالات
كثيرة أدى التدخل الإنساني لاستدراج منظمات الإغاثة الى دائرة النزاعات الدائرة.
التورط في جرائم
وفي حالات كثيرة ساعدت المنظمات الدولية في ازدياد التوتر وخلق نزاعات
جديدة في بعض الأحيان، متنازلة عن قيمها ومثلها، وفي أسوأ الحالات نجد بعضها متورطاً
في أبشع جرائم الحرب التي تقع في المناطق التي يحتدم فيها الصراع، وقد كشفت الحرب في
جنوب السودان ودارفور بل وفي مناطق جبال النوبة والنيل الازرق، كشفت كثيراً من عمليات
الدعم والاسناد التي تقدمها المنظمات للجماعات المتمردة، حيث تعتبر الموارد التي توفرها
المنظمات الإنسانية مؤثراً في إطالة أمد الحرب وليس مجرد منقذه للحياة البشرية، ويمكن
أن تشكل هذه الموارد عنصراً فعالاً في تغيير ميزان القوى لأحد أطراف النزاع، كما أن
للمساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات آثار سالبة على الاقتصاد الكلي للبلاد، وذلك
لأنها تخلق فرص تفشي البطالة والاعتماد على الإغاثات وانخفاض معدل الناتج والدخل الفردي
الذي بدوره ينعكس على الناتج القومي والاقتصاد الكلي للبلاد. وبجانب ذلك نجد أن المساعدات
التي تقدم تفرض ثقافة استهلاكية جديدة للسلع بالقدر الذي يؤثر سلباً في اقتصاد البلاد.
اعتراف صريح
لقد تم ضبط الوكالة اليهودية الأمريكية العالمية من قبل مع المدعو ماثيو
ديفيد اميري وهو موظف كبير يعمل بها، الاَّ انه جاء متخفياً باسم منظمة لجنة الإنقاذ
الدولية، فقد اعترف اليهودي الجنوب كوري الجنسية والامريكي بالمواطنة والجواز، حينما
تم ضبطه ومواجهته بوثيقة عندما جاء للسودان، وقد كان يسأل في معسكر «كلمة» عن مجموعات
عبد الواحد ودعم التمرد.
وبعد مواجهته بالوثائق انهار ماثيو وافاد بأنه لا يتبع لمنظمة لجنة الانقاذ
الدولية بل يتبع للوكالة اليهودية الأمريكية العالمية، وسبق ان زار السودان مرتين بستار
منظمة لجنة الانقاذ الدولية، كما اعترف ان منظمته تمول مجموعة من المنظمات بأكثر من
مليون دولار في مجال الصحة، الاَّ أن الوثيقة التي ضبطت عنده تثبت عكس ذلك وان التمويل
فاق ذلك. ومن ضمن الوثائق التي ضبطت مع ماثيو وثيقة تشير لمجموعات المناصرة للوكالة
اليهودية في دارفور ومواقعها على الانترنت.
مصالح خاصة
تتمثل تجاوزات الأمم المتحدة والمنظمات الطوعية واستغلالها صلاحياتها
في دارفور إرضاءً لمصالح خاصة او جهات اخرى، تتمثل في الحملات المعادية ونشر تقارير
وبيانات ملفقة عن الاوضاع، وعدم الالتزام بالقانون واللوائح والاختصاص، والعمل في مجالات
غير مصدق لها في العمل فيها، وممارسة أنشطة تتنافى ومبادئ العمل الطوعي والإنساني،
فضلاً عن الاستفادة من الإعفاءات الممنوحة لطوارئ دارفور لخارج دارفور، واستغلال تسهيلات
الإجراءات الهجرية من دخول وإقامة لعاملين خارج دارفور.
وهناك عدد من النماذج لتلك المخالفات في بدايات عهد التمرد في دارفور،
نشير منها الى إدخال منظمة (IRC) طفلاً نازحاً من
معسكر «كلمة» للخرطوم بدون علم وموافقة السلطات الولائية، وتسليمه للمفوضية السامية
للاجئين عند العلم به، وإدخال (IRC) صحافيين هولنديين
في دارفور لتوثيق انشطة المنظمة وتصويرهم للمطار ومناطق عسكرية بالفاشر، وتصوير تمثيلية
عن الاغتصاب والنهب المسلح، وتم قبضهم وفتح بلاغ ضدهم، وقدموا اعتذارات موثقة بالفيديو.
وتم ضبط تهريب منظمة التضامن الفرنسية جازولين وكروت اتصال لمناطق التمرد، وتم فتح
بلاغ بنيالا، وحضر وفد من رئاسة المنظمة بفرنسا وقدم اعتذاراً، وتم حفظ البلاغ.
إن ما جرى في دارفور ليس حرباً كما الحروبات التي نشأت في كثير من الدول،
وإن كانت اطـــراف دولية قد حاولت تصويرها على انها حرب داخلية بين العرب والأفارقة..
بل هي في الحقيقة حرب للسيطرة على دارفور والسودان كله، وحرب على الثقافة العربية الإسلامية
التي مازالت تمثل العائق الأهم أمام كثير من المطامع.
أبو عبيدة عبد الله
تعليقات
إرسال تعليق