مؤتمر الشعبية في الجبال.. تقرير المصير.. الحلو يعتمد الخيارات المريرة
فاجأ المؤتمر العام
الاستثنائي للحركة الشعبية ــ شمال، المنعقد في منطقة كاودا، ابتداءً من يوم
الجمعة السادس من أكتوبر، الساحة السياسية السودانية باعتماد حق تقرير المصير
لجبال النوبة على رأس المطالب التي لا تراجع عنها في المفاوضات مع الحكومة، رغم
عدم ظهور جزئية تقرير المصير ضمن الأجندة الرئيسة المطروحة للمناقشة في المؤتمر
الذي جمع موالين للجنرال عبد العزيز آدم الحلو من المنطقتين (جنوب كردفان ـــ
النيل الأزرق).
وبحسب ما تم تداوله،
كان مقرراً أن يناقش المؤتمر إجازة المنفستو، والدستور، وبناء هياكل الحركة،
وانتخاب قيادة جديدة.
خلافات داخلية
تعتبر المطالبة بحق
تقرير المصير لجبال النوبة، واحدة من القضايا التي فاقمت الخلاف بين تياري الحلو
وعقار، لا سيما حين جدد عبد العزيز الحلو طرح تقرير المصير مع الاحتفاظ بالجيش
الشعبي ضمن أية توافقات لاحقة مع الخرطوم، وورد ذلك في استقالة شهيرة للجنرال.
وذهب كثيرون الى أن
اشتراطات الحلو تقوم على أسس ومعايير ذاتية متعسفة، خاصة؛ وقد اتهم عقار بالتنازل
عن مبدأ تقرير المصير مقابل الدفع بمقترح الحكم الذاتي، خوفاً من رفض الحكومة خطوة
تقرير المصير.
وفيما يلي الاحتفاظ
بالجيش الشعبي، يرى الحلو في الاتكاء على البندقية ضامناً لتشكيل آلية ضغط في حال
الوصول إلى اتفاق سلام، لضمان تنفيذ الحكومة للاتفاق بالنظر لممارساتها في عدم
الوفاء بالعهود والاتفاقات التي توقعها في مراحل سابقة.
كسب سياسي
جاء رد عقار؛ أن تقرير
المصير ليس جزءاً من مشروع السودان الجديد. والحلو استخدم الدعوة كآلية للتعبئة،
والاصطفاف، والاستقطاب في المنطقتين، ولاسيما جبال النوبة.
ويرى مراقبون أن
الدعوة لتقرير المصير ليست وليدة لحظة الخلاف الأخير، وسبق أن أشار إليها زعيم
الحركة الشعبية جون قرنق في حديثه عن المشورة الشعبية، والتي وصفها بأنها (جنى
صغير لتقرير المصير).
ووصف رئيس حزب الأمة
القومي الإمام الصادق المهدي، تبنِّي المؤتمر لحق تقرير المصير بأنه أمر مؤسف،
لحركة عايشت بنفسها الفشل الذي أنتجه وراكمه هذا الخيار.
ويؤكد عضو وفد التفاوض
دـ حسين كرشوم أن تقرير المصير شعار ظل يتمسك به الحلو منذ أن طرحه لاول مرة في
مفاوضات كرن عام 2003 وتم استبعاده من قبل الوسيط الكيني سمبويا من أجندة التفاوض،
لآن تقرير المصير تم حسمه في مشاكوس عام 1993 كمطلب خاص بالجنوبيين، ولم تتم
الاشارة فيه للمنطقتين.
وأكد كرشوم أن تقرير
المصير شعار ظل يرفعه الحلو للكسب السياسي، دون أن يضمَّن في أجندة جولات التفاوض
الأخيرة منذ 2013، وخلت من الاشارة لتقرير المصير ضمن أجنداتها حتى آخر جولة.
رفض حكومي
من خلال قراءة ردات
الفعل تجاه هذا القرار قلَّل القيادي بالنيل الأزرق، المك عبيد أوشتال، من مخاطر
إقرار تقرير المصير لجبال النوبة من على منصة مؤتمر عام، وإن كان رجح أن يكون
الخيار من أجل اعلاء السقوفات التفاوضية، وقال إنه مشهور عن الحركات المسلحة أنها
تضع سقوفات عالية، ومن ثم تبدأ التنازلات خلال التفاوض.
واستبعد أبوشوتال أن
تقبُّل الحكومة بهذا الطرح ضمن أجندة التفاوض مع الحركة، خاصة وأن لها تجربة سابقة
كانت مريرة بالنسبة لها في بانفصال جنوب السودان، لذلك بالتأكيد لن تقبل وجود بند
من هذا القبيل ضمن أجندة التفاوض.
حكم ذاتي
قال القيادي بجنوب
كردفان، اللواء ابراهيم نايل ايدام، أنه غير منزعج من اعتماد مؤتمر الحركة لتقرير.
عازياً ذلك لكون المجموعة المؤتمرة لا تقرر في مصير الإقليم وحدها بمعزل عن مواطني
جبال النوبة خارج الحركة. وأضاف أنه من السذاجة بمكان أن يقبل شخص الانفصال باقليم
مغلق، ليس في مقدوره التواصل مع العالم الخارجي، الى جانب أن النوبة هم أصليين في
المنطقة.
ووافق اللواء ايدام
المك أبوشوتال، الذي ذهب الى أن اعتماد تقرير المصير هو عملية تعلية لسقوفات
التفاوض، حتى وإن جاء كقرار لمؤتمر، وأن الحلو متأكد من استحالة تحقيق هذا المطلب.
لكن عينه على الحكم الذاتي الذي هو مرتبة أقل من تقرير المصير.
وقطع ايدام بأنه يؤيد
الحكم الذاتي لمنطقة جبال النوبة، باعتباره الانسب لها. ولا يرى لاغضاضة في
المطالبة بالحكم الذاتي، هو موجود في نظام الحكم بماليزيا الذي يطبقه السودان في
تجربته في الحكم اللامركزي.
استنكار
يرى كرشوم أن اقرار
المؤتمر الاستثنائي لتقرير المصير ليس نهائياً، وإنما الأمر برمته منوط بالمؤتمر
العام الذي يمكن أن يجيزه أو يرفضه. وعاد للقول: واضح أنه شعار طرح للكسب السياسي،
أكثر من أنه مبدأ يتم التمسك به نتيجة التنافس الدائر بين طرفي الصراع في الحركة،
خاصة وأن مجموعة عقار أعلنت عن عقد مؤتمرها في ديسمبر المقبل.
واستبعد كرشوم أن يكون
لهذا القرار تأثير في جولات التفاوض، مستدلاً برد وفد الحركة الذي زار أديس بقيادة
الحلو عندما تم سؤاله من الآلية الإفريقية عن تقرير المصير، قال إنه موقف تفاوضي،
وليس مبدأ.
وشن أبوشوتال هجوماً
على قيادات الحركة من النيل الازرق المشاركة في المؤتمر، وعاب عليهم صمتهم، وعدم
إبداء رأيهم في تقرير المصير. وقال إنهم وقوفوا في المنطقة الرمادية، يظهر أنهم
ضعاف، وليست لهم إرادة ومقدرة في اظهار مواقفهم، وكان عليهم كقيادات أن يتعاملوا
بنديَّة مع الطرف الآخر، ويظهرون موقفهم، إما مع تقرير المصير أو ضده. حتى تكون
قواعدهم على بيِّنة من أمرهم بدلا عن الوقوف في المنطقة الرمادية.
تعليقات
إرسال تعليق