خلافات الثورية.. دلالات الانحسار والتمدد الخارجي!!



لم يمضِ على اختتام المؤتمر العام الذي عقدته الجبهة الثورية بالعاصمة الفرنسية باريس سوى القليل جداً من الأيام بعد أن اكتمل بحسب قيادات الثورية بنجاح تام حيث تم اختيار وتسمية الرئيس الجديد للجبهة الثورية السيد مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان رئيساً عاماً للجبهة الثورية بموافقة تامة من كل المؤتمرين،

بيد أن بعض الأصوات بدأت تصدع داخل المؤتمر الصحافي للمؤتمر الختامي العام وتشير إلى أن خلافات مكتومة بدأت تظهر بقوة خلال المؤتمر وأدت لغياب القائد العام لحركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور عن حضور لقاءات الجبهة الثورية ما يشير إلى أن الخلافات بدأت مبكراً تأخذ مكانها، في وقت أشارت فيه بعض المصادر عن تصاعد أزمة عدم الثقة بين مكونات الجبهة الثورية مجدداً إثر الخلافات بين مجموعتي جبريل إبراهيم وأركو مناوي حول الهيكلة وصلاحيات الرئيس. رغم اختيار الأخير رئيساً للجبهة الثورية.. ودعت قيادات مهمة بحركة جبريل إبراهيم بأن يكون هناك نواب للرئيس دون أمانة عامة معتبرة أن سعى مناوى لتعيين نائب واحد للرئيس إلى جانب أمين عام محاولة لتكريس كافة الصلاحيات في يد مناوي. وحذرت القيادات مما ووصفته بمحاولة فرض الديكتاتورية وإقصاء الآخرين وعدم إشراكهم في شؤون الجبهة الثورية. إلى ذلك شهدت اجتماعات الجبهة الثورية التي عقدت بباريس الشهر الجاري اعتراضاً من مجموعة جبريل حول محاولة مناوي تضمين حضور علي مجوك المؤمن للاجتماعات في البيان الختامي، متهمة مناوي بمحاولة تكوين تحالفات لقيادة عمل عسكري يقوي موقفه التفاوضي للالتحاق بالسلام مستقبلاً.
واقع الخلافات
لم تكن هذه الخلافات عادية لجهة أن القيادة الجديدة للجبهة لم تمارس سلطاتها المخولة لها بعد في إدارة الشأن العام للجبهة المؤلفة من أكثر الحركات الآن نشاطاً في الساحة إذا استبعدت حركة عبد الواحد المبتعد عن الجبهة بمحض إرادته بحسب ما أصدره الرئيس الجديد حينما سئل عن الصراع الخفي بينهم في الجبهة وعبد الواحد محمد نور الرجل الذي يقف بعيداً عن كل الفعاليات السياسية التي تضم الحركات المختلفة في المنابر الأخرى. ولكن الخبير في شؤون الجماعات والتسليح الدكتور الأمين الحسن، يشير في حديثه لـ(الإنتباهة) بأن أمر الخلافات التي تتخلل عمل الحركات المسلحة لم يكن شيئاً غريباً على الواقع داخل الحركات والجماعات المسلحة بيد إن الجبهة الثورية لم تكن حركة عادية، وأنما ائتلاف لمجموعة من الحركات التي تبقت داخل مسمى الجبهة الثورية لمجابهة الحكومة من خلال أعمال متفق بشأنها وسط قيادات تلك الحركات المكونة للجبهة نفسها. ولذلك فإن مثل هذه الخلافات، أمر طبيعي وسط قيادات حركات مختلفة لاختلاف الأهداف المسيرة لتلك الحركة والتي تميز كل حركة عن مثيلتها.  وأقر الأمين الحسن بأن المرحلة القادمة مرحلة حرجة لأن الموقف الجديد للجبهة الثورية عقب التحور الخطير في أهداف ومرامي الجبهة أحدثت تحولاً سريعاً ربما في خطط وتكتيكات الجماعات التي لم تتفق مع الثورية في خطابها الجديد عن أزمتها مع النظام وكان ترحيبها برفع العقوبات عن السودان وجد ردود أفعال مختلفة بين القيادات. ويشير إلى أن الرأي العام يتجه إلى أنه مهما كانت تلك الخلافات، فإنها لن تؤثر حتماً على التقدم الملموس، بيد إنه يقول:( حتماً هناك خلافات ولا يخلو جسم شعبوي لا توجد فيه خلافات، ولكن لا أعتقد أنها بذات الحجم المثار في وسائط الإعلام).
انحسار وزيف
وبحسب الأستاذ أحمد عبد المجيد أمين الإعلام والناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة الموقعة على السلام في حديثه لـ(الإنتباهة) فإنه يرى إن ما يجري محاولة من الجبهة الثورية جاهدة في الخروج من وهدة أزمتها المحلية ذات الانعكاس الإقليمي والدولي والمتمثل في انحسار صوتها الخارجي وانكشاف زيف غطاءها الخارجي وضعف مقبلية صوتها وخير دليل على ذلك الخطوة التي دفعت بها الإدارة الأمريكية برفع العقوبات الاقتصادية رغم ممانعة منسوبيها وما يلي هذا من تعاون سينمو صاعداً من المفترض أن تكون اجتماعات الجبهة الثورية بالميدان تماشياً من طرحها ومساعيها الرامية لإسقاط النظام ولأهمية ذلك انعقدت مؤتمراتها بالأراضي المحررة وما لذلك من دلالات ومعانٍ وكل الشواهد تؤكد أنها لم تعد ذلك المولد الذي تفرقت وحدته العسكرية ( هيئة الأركان المشتركة ) منذ العام 2014 بجبال النوبة وأصبحت اجتماعاتها مجرد نفخ إعلامي لإثبات وجودها بعد أن انحصرت في قيادات دارفور ويمثلها مناوي وجبريل ومقاطعة لعبد الواحد، بالإضافة لشخصين مدنيين يمثلهم هجو وابتعاد الحركة الشعبية شمال بشقيها.
والناظر لتداول ما يسمى بالجبهة الثورية، كأنما هو تداول سلمي لقيادة تغيير قرقول الشرف للحرس الجمهوري كل فترة وهو مظهر احتفالي أكثر من غيره، فهي دعوة للاعتراف بحقيقة الأمر الواقع وكذلك تعزيز إرادة السلام لقيادات الثورية.
مواقف أخرى
رغم أن الشعار المرفوع من قبل قوى نداء السودان والجبهة الثورية خلال إعلان النتائج الأخيرة لمؤتمرها الختامي كان هو "الحاضر رؤية لعمار وبناء المستقبل" ، إلا أن التفاعل مع البيان الختامي لم يحفل باحتفاء كبير كما حدث من قبل عندما ولد وأزيع أول بيان صحافي للجبهة الثورية الكبيرة، قبل التجزئة.. كان موقف أعضاء الجبهة الثورية ورغم أنها تحاول أن تعبر ذلك المنعطف الخطير بصعوبة، إلا أنهم كانوا أكثر إشفاقاً على حالة مناوي الذي اعتلى القيادة وهي تتقلب ما بين رافض لأجندتها ومتباعد عنها. مثل الحركة الشعبية التي هي خارج حسابات الجبهة الآن، وأصبحت هي الأخرى مشغولة بنفسها أكثر من موقفها مع التحالفات الأخرى التي تقف في طرف واحد ضد الخرطوم.. خروج الحركة الشعبية من عباءة الجبهة الثورية كان أكبر إحباط تعيشه الثورية لذلك لم يخفِ مناوي الرئيس الجديد قلقه، حينما تحدث بصراحة من أنه ما أصاب الشعبية شيء مؤسف وقال إنهم يأملون في أن تعود الحركة موحدة كما كانت وقوية برتق الشقة بين الفرقاء في الحركة الشعبية. غياب الشعبية عن الجبهة الثورية ومغادرتها ذلك الصف كان أكبر هاجس عاشته الجبهة الثورية ولازالت حيث أشار مناوي إلى أن موقفهم كجبهة ثورية من "منفستو" الشعبية حول تقرير المصير كان واضحاً معلناً تخوفهم من تكريس الجهود لانفصال جبال النوبة على غرار ما حدث للجنوب. وقال( إن للحركة الشعبية مبرراً في رفع هذا البند ولكننا لا نشجع انفصال جزء آخر من السودان). ونفى مناوي وجود خلافات أو صراعات بالجبهة الثورية بيد إنه أشار إلى تحركاتهم لرأب الصدع الذي حدث داخل الشعبية وإعادة الوحدة بين عقار والحلو..
تحول كبير
ترحيب الثورية بقرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ينبئ عن تحول كبير طرأ على الثورية في عهدها الجديد، حيث أشارت إلى أن العقوبات ذات تأثير مباشر على المواطن الذي لا ينبغي أن يتأثر بخروقات النظام، في وقت أكدت فيه على ضرورة توحد قوى المعارضة خلف برنامج (حد أدنى) لأجل التغيير السلمي في السودان، وقالت إن الحل السلمي العادل الشامل المتفاوض عليه" خيار إستراتيجي".
هذه المواقف تعتبر جديدة على ساحة الشعبية التي كانت تعتمد كل الاعتماد على العمل على إسقاط النظام بالقوة وذات الموقف كان هو الفارق بينهم وقوى نداء السودان بالداخل التي كانت ترى إنه لابد من الاعتماد على الأسلوب الناعم في التغيير وهو النضال السلمي. ويقول حول هذا التغير الاكاديمي والمحلل السياسي د.السر محمد علي لـ(الإنتباهة) إنه ربما ناتج عن تغيير المواقف الذي اجتاح الكثير من الحركات والقوى السياسية عقب التقدم الكبير والملموس لحكومة الخرطوم في إنزال مخرجات الحوار الوطني إلى أرض الواقع بتنفيذ حكومة الوفاق الوطني التي شملت الكثير من المناوئين الذين انضموا لمسيرة الحوار، وزاد الحسن إن بقية أجندة الحركة الشعبية- بحسب البيان الذي خرج للساحة- لا تُظهر تبايناً كبيراً بين موقفها وموقف الحكومة فقط ، في إصرارهم على خارطة الطريق واستصحاب قوى المعارضة بالداخل والخارج في منبر التفاوض بجانب إعادة كتابة دستور السودان بصورة يجمع عليها الكل وليس بالطريقة الراهنة التي قالوا إنها تكرس لاستمرار حكم المؤتمر الوطني وطغيانه.

عبد الله عبد الرحيم




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية