أبعدهم إلى دولة الجنوب .. الحلو .. إلقاء القيادات بعيداً عن الجبال
نادى الجنرال عبد
العزيز آدم الحلو في استقالة شهيرة قسمت الحركة الشعبية – شمال بتقرير مصير جبال
النوبة، ومن ثم تحول طلبه إلى توصية للمؤتمر العام الاستثنائي، فهل يعتبر أول
قراراته بعد وصوله إلى سدة الحركة بالانتخاب عوضاً عن التكليف بفصل قيادات بارزة
طبقاً لما ذكره (المركز السوداني للخدمات الصحفية) الذي قال إنه جرى إبعاد قيادات
بارزة إلى دولة جنوب السودان؟، فهل يا ترى هذه الخطوة أمر تنظيمي بحت أم هي مزيد
من الخطوات الانكفائية؟
بداية الخلاف
منذ أن بدأ الخلاف يدب
في العلن بين قيادات الحركة الشعبية - شمال، وقاد لانشقاق الحركة، بعد أن تقدم
نائب الرئيس آنذاك عبد العزيز الحلو باستقالته لإقليم جبال النوبة، بدأت الأسئلة
تترى عن مستقبل الحركة بعد الخلاف العنيف الذي ضرب قياداتها ومركز قرارها.
لم تكن الرؤية واضحة
بشأن مستقبل التفاوض القائم بشأن المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) بين
الحكومة والحركة الشعبية، وإن كانت الحكومة السودانية والوسطاء كذلك أبدوا جاهزية
في التعامل مع فصيل الحلو. وإزاء ذلك صدر عدد من التصريحات الحكومية منها التى
تحدثت عن معقولية عبد العزيز الحلو ومحاولته المسارعة في قضية النوبة وإبعادها عن
المسارات المعقدة التي كان يسلكها كل من مالك عقار وياسر عرمان. وبذلك فضلت تلك
الجهات الخطوة الجديدة واعتبرتها بداية النهاية لحل مشكلة جبال النوبة، خاصة بعد
إقصاء عرمان الذي يعد أكبر المعرقلين لقضية جبال النوبة، بعد أن ألبسها الثوب القومي
وجردها من خصوصيتها المرتبطة بمشكلة التنمية وتوزيع السلطة، هكذا يقول أبناء
الجبال، الذاهبون لأبعد من ذلك بالقول إن عرمان سعى لإنفاذ أجنداته الخاصة، التي
ظل يرفضها أبناء النوبة وذلك ما دعاهم كثيراً لاتهامه بتعقيد الأزمة التى يتضرر
منها أبناء النوبة في مناطق الحرب.
توقعات محددة
لم تكن التوقعات
والآمال معقودة على عبد العزيز الحلو بقدر كبير، بالركون لخيار السلام وإنهاء أزمة
النوبة الممتدة، فكان الخوف موجوداً من ما يخفيه الحلو بتحركه الأخير، فظن بعضهم
أن الرجل سئم الحرب اللعينة وربما ينحاز للسلام، حتى أن جهات رسمية في السودان
صرحت بأن التفاوض مع عبد العزيز الحلو سيكون سهلاً وأيسر من مع رفقائه السابقين
عقار – عرمان، اللذين يحاولان تمديد الأزمة وتشعيبها، وإبعادها من خيار المنطقة
المحدودة والمطالب المحددة، لأزمة السودان بكامله ووضحت تلك المحاولات من خلال
إقحام قضايا عامة بعيدة عن قضايا النوبة والإقليم.
نقطة فاصلة
كانت النقطة الفاصلة
والحاسمة في قراءات ما بعد انشقاق الحركة الشعبية واستقالة الحلو، ما حمله البيان
الصادر من المؤتمر العام الذي عقدته الحركة الشعبية بدايات هذا الشهر في منطقة
كاودا الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية والقوات الموالية لعبد العزيز الحلو، إذ
حمل البيان لغة متطرفة وعنصرية وتصعيدية تذهب بكل آمال السلام المنتظرة في
المنطقة، وكان أخطر ما حمله البيان الختامي هو اعتماد حق تقرير المصير لجبال
النوبة، وبذلك يكون قد أعاد بيان الحركة الشعبيبة أوراق اللعبة إلى نقطة الانطلاق
من جديد، إذ أن خيار تقرير المصير بحسب تعليقات أهل المنطقة عليه خيار مرفوض وغير منطقي،
وتباينت الرؤى حول مغزى مطالبات الحلو بحق تقرير المصير، فجنح كثيرون إلى خيار أن
الحلو يحاول بذلك إيجاد موطيء قدم أفضل وأكبر في التفاوض، باعتبار أنه تكتيك
تفاوضي محدود، وذهب آخرون إلى فرضية جدية الحلو في مطالبة. وبين هذا وذاك تظل
مطالب الحلو محصورة في بيان مؤتمره العام، وتبقى واقعيتها من عدمها أسئلة تنتظر
الإجابات.
إبعاد قيادات
كل التوقعات ذهبت إلى
أن عبد العزيز الحلو(الذي تشكك قيادات من النوبة في انتمائه العرقي لهم) سينحو نحو
خيار إبعاد قيادات الحركة الشعبية المنحدرة من خارج منطقة الجبال، وذلك طبيعي
بقياس توجه الحركة الجديد بعد مؤتمرها العام، إذ لا يستوي مع العقل أن يؤيد أبناء
القبائل الأخرى توجه الحلو الداعي للإنغلاق بالقضية في حدود قبائل النوبة. يؤيد
ذلك حالات الفصل الصادرة أمس الأول (الاثنين) بإبعاد عدد من كوادر الحركة الشعبية
من غير أبناء النوبة من المنطقة إلى دولة جنوب السودان، وقال القيادي بالمنطقة كوكو
كومي تركاش بحسب "المركز السوداني للخدمات الصحفية" إن الحلو أمر نائب الرئيس
السابق لولاية جنوب كردفان بطرد آدم كرشوم، والأستاذ بمعهد التدريب الأساسي النقيب
إبراهيم خاطر، وهما من أبناء المسيرية، والمحامي بدر الدين موسى، والذي قام بطرده
ومنعه من أخذ ممتلكاته بما فيها ملابسه وهاتفه الشخصي، والدكتور أحمد يعقوب
الأستاذ بمعهد التدريب الأساسي المختص في المعامل والمختبرات الطبية، وبذلك – إن
صحت رواية الخبر - تكون قد اتضحت الرؤية للتوجه الجديد للحركة الشعبية شمال
ولقائدها الحلو بخيار الإنغلاق على النوبة والاستمرار بالمطالبة بحق تقرير المصير
المنصوص في بيان المؤتمر العام للحركة الأخير.
مزيد من الانتباه
وبمثلما كانت قرارات
الحلو مفاجئة في استقالته وإقامة مؤتمر الحركة، وتبنيه قرار تقرير المصير، كانت
إجابات المحلل السياسي بروفيسور عبد اللطيف البوني تحمل تلك التساؤلات الحيرى عن
توجهات ومقاصد الرجل، ورأى البوني خلال حديثه لـ(الصيحة) أن عبد العزيز الحلو
يحتاج إلى مزيد من الانتباه، واصفاً إياه بصاحب الرومانسية الثورية، وزاد البوني
أن مواقف الحلو يصعب تحليلها والتكهن بها، ولم يستبعد البوني أن يكون للحلو مخططاً
يريد أن يفاجئ به الناس لاحقاً، مشدداً على أن خطوات الحلو تذهب في اتجاه رغبته في
تعزيز سيطرته على مقاليد الحكم وإبعاد كل من يقف عقبة أمام تلك الرغبة النازعة
للسيطرة الكاملة.
وعن خيار تقرير المصير
وإبعاد قيادات الحركة من غير أبناء النوبة، أشار البوني إلى استمرار التساؤل
الداعي لمعرفة ما إذا كان قرار الحلو بتقرير المصير مزايدة سياسية، أم فكرة راسخة؟
ميالاً إلى خيار أن تقرير المصير كفكرة راسخة في عقل الحلو، إلا أن إشارات البوني
بصعوبة التكهن بما يريده الحلو، كانت الإجابة الأبرز على تساؤلاتنا.
فيما لم يستغرب عضو
مجلس الولايات أحد قيادات جنوب كردفان الأمير حسن عبد الحميد النور، قرار إبعاد
القيادات المنحدرة من قبائل ليست من النوبة، وقال حسن عبد الحميد لـ(الصيحة) إن
قرار إبعاد القيادات كان قراراً متوقعاً ويتماشى مع التطورات داخل الحركة ودعوتها
الجديدة لتقرير المصير، وتوقع حسن انشقاق الحركة جناح الحلو إلى عدد من الحركات
بسبب رفض تقرير المصير من عدد كبير من القيادات، واصفاً توجه الحركة والحلو بتنفيذ
أجندة الحزب الشيوعي الذي يمثله الحلو وعرمان وعقار
محمد أبو زيد كروم
تعليقات
إرسال تعليق