ما هو الحجم الطبيعي والوزن الحقيقي لقطاع الشمال ؟
لقد وصلت أكثر من عشر جولات من المفاوضات التي عقدت في أديس أبابا بين وفد الحكومة ووفد الحركة الشعبية قطاع الشمال لطريق مسدود ولو استمرت المفاوضات بينهما بطريقتها تلك لمائة جولة قادمة، فلن يصل الطرفان لاتفاق، ولذلك عقدا مؤخراً في أديس أبابا اجتماعاً غير رسمي وبلا وسطاء في محاولة لإزالة الحواجز النفسية وإقامة جسر يمهد لتقريب شقة الخلافات الحادة وردم الهوة بين الطرفين . ونشرت الصحف صوراً فيها إبتسامات متبادلة بين رئيسي الوفدين . وإن اللقاء غير الرسمي المشار إليه فيه محاولة لاستئناف المفاوضات الرسمية بروح جديدة فيها شيء من المرونة ولكن قطاع الشمال اهتبل هذه الفرصة السانحة لتسجيل هدف في مرمى الحكومة بإعلان أن اختراقاً قد حدث مع الإيحاء بأن وفد الحكومة أتاهم راضخاً منكسراً ينشد الوصول معهم لاتفاق بأية وسيلة، وهدفه من هذه الإشارات المبطنة أن يطمئن الخواجات الذين يقفون من خلفهم مؤازرين لهم بأنهم في موقف تفاوضي أفضل من الطرف الآخر!! ولكن يبدر جلياً من خلال نتائج الجولات السابقة أن هناك تباعداً في مواقفهما واختلافاً في رؤاهما وأجندتهما إذ أن وفد الحكومة يصر على تطبيق ما ورد في اتفاقية نيفاشا بحذافيره وحصر المفاوضات في قضايا المنطقتين فقط، ولكن وفد قطاع الشمال يصر على التفاوض حول كافة قضايا الوطن والسعي لإيجاد حلول لها رغم أن هذا شأن عام يخص كل السودانيين ولم يفوض الشعب القلة المتنفذة في قطاع الشمال لتجلس على كرسي الأستاذية وتفرض وصايتها عليه دون تفويض منه. وإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن هذه القلة المتنفذة لو سجلت حزباً باسمها ضمن الأحزاب الكثيرة الأخرى المسجلة وخاضت أية انتخابات حرة ونزيهة قادمة على مستوى الرئاسة والمجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية، فإن حصادها سيكون كحصاد الهشيم ولن تحصل علي شيء يذكر، وهي تدرك هذه الحقيقة وأن أي احصاء دقيق لعضويتها في كافة قرى السودان ومدنه يؤكد ضآلة العدد لا سيما بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي أعقبت التوقيع على اتفاقية نيفاشا والتي نال فيها هذا القطاع نصيباً من السلطة بالتعيين في الأجهزة التشريعية والتنفيذية على المستويين الاتحادي والولائي في الشمال، وفقدوا ذلك بعد انتهاء تلك الفترة. وبعد إجراء الاستفتاء وانفصال دولة الجنوب التي عملت عند مولدها وإعلانها لمحاربة السودان اقتصادياً والسعي لزعزعة الأمن فيه بمساعدة الفئة القليلة المتنفذة في قطاع الشمال التي تولت كِبر ذلك وقامت بعملية التنسيق بين كافة الأطراف في الداخل والخارج لتجميع كافة حركات التمرد الحاملة للسلاح في الجبهة الثورية التي كانت تنطلق عصاباتها من دولة الجنوب. وإن أكبر إنجاز حققته اتفاقية نيفاشا هو إنهاء الحرب الاستنزافية بين الشمال والجنوب وحقن الدماء بينهما ولكان أسوأ ما تضمنته الاتفاقية هو المتعلق بمنطقة أبيي وبالمنطقتين ومن نقاط الضعف في الاتفاقية الإبقاء على الفرقتين التاسعة والعاشرة الشماليتين اللتين تتبعان لقيادة الجيش الشعبي بجوبا وكان المفترض أن تدمجا في القوات النظامية وفق الشروط الواجب توفرها لمن ينضم لهذه القوات مع إيجاد بدائل تضمن العيش الكريم لمن لا يتم استيعابهم ودمجهم في القوات النظامية ولكن المؤسف أن هذا لم يحدث، ولذلك تبجج مالك عقار عندما كان والياً على النيل الأزرق وتحدى وتطاول على السيد رئيس الجمهورية وذكر بالحرف الواحد (إن البشير له جيش وأنا أيضاً لي جيش وله قصر ولي أنا أيضاً قصر)، ولو عولجت قضية الفرقتين التاسعة والعاشرة منذ البداية، لما كانت هناك ادعاءات وهوس وحديث عن جنوب جديد في جمهورية السودان بعد انفصال دولة الجنوب ولما كانت هناك حاجة لمعسكرات تحتاج لجلب المعونات والاغاثات والمؤن الغذائية و(الشحدة) باسمهم من الخواجات مع وجود مرتزقة وعملاء يثرون ثراءً فاحشاً باسم هؤلاء المقيمين في المعسكرات وكان الاولى والأفضل لو استوعبوا ودمجوا في القوات النظامية أو اوجدت لهم بدائل للعيش الحر الكريم للاستقرار وسط اهلهم معززين مكرمين بدلاً عن حبسهم في هذه المعسكرات والتسول باسمهم واتخاذهم ادوات ضغط لتحقيق اهداف لا علاقة لها بالقضايا الحقيقية للمنطقتين المتعلقة بالخدمات والتنمية والارتقاء والنهوض بهما وإزالة كل غبن عنهما. والمؤسف أن القلة المتنفذة في قيادة قطاع الشمال كانت في الجولات السابقة تقوم قبل وبعد كل مفاوضات بعمليات ليس فيها ذرة من الأخلاق باطلاق عدد من صواريخ الكاتوشيا بطريقة عشوائية ومن جراء ذلك قتل عدد من الأبرياء الآمنين واصيب آخرون بجراح وفقدان البعض لأطرافهم دون ذنب جنوه والهدف من هذه العمليات البشعة هو محاولة السعي لتقوية موقفهم التفاوضي والظهور بمظهر القادر على زعزعة الامن وإحداث حالة مستمرة من عدم الاستقرار اذا لم يتم التوصل معهم لاتفاق.
وفي مقابلة أجرتها الصحافية ندى محمد أحمد ونشرت بصحيفة «الإنتباهة» الغراء في عددها الصادر يوم 24 من الشهر الجاري مع مرشح حزب المؤتمر الوطني الموقع والي ولاية النيل الأزرق في الانتخابات التي أجريت في عام 2010م وهو الآن كما ورد في المقابلة خبير مع وفد الحركة الشعبية في مفاوضاتها مع الحكومة وذكر هذا الخبير بالحرف الواحد (هناك علاقة تنظيمية بين الحركة الشعبية في جنوب السودان والسودان، فقط انفصلت جغرافيتهما سياسياً، الحركة الشعبية واحدة، ثانياً قطاع الشمال يسيطر على مساحة واسعة من حدودنا مع دولة جنوب السودان، في هذه المساحة هناك تداخلات قبلية وهناك تواصل جغرافي اجتماعي وثقافي وجداني وتواصل سياسي وعسكري)!!!. وفي موضع آخر من الحوار ذكر خبير الحركة الشعبية بالحرف الواحد (نحن نتحدث عن قومية الدولة وجيش قومي مهني واحد وهذا يعني أنه لن يكون الجيش السوداني لوحده سيكون هناك جيش الحركة ومكونات حركة العدل والمساواة وبقية حملة السلاح والآخرين الذين ليسوا في هذه الجيوش أو جيش الحكومة، بيتفقوا على مبادئ معينة حول كيف يبنى الجيش وكيف يكون قومياً)، وأن ما ذكره الخبير بالحركة الشعبية يمثل بجلاء ووضوح الرؤية الحقيقية والهدف الذي تسعي له القلة المتنفذة في قطاع الشمال بالاتفاق مع قيادة الحركة الأم في جوبا بالتنسيق مع الخواجات والقوى الاجنبية الغربية في الخارج التي تقف خلف هذا الطرح وتدعمه وينسحب ما ذكر آنفاً علي كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها الأخري ويجب مواجهة الحقائق وهي عارية من المساحيق والتعامل معها بواقعية دون خداع للنفس باخراج خادع لأننا لسنا في مسرح والوطن يجابه تحديات شائكة أمنية واقتصادية وتحرشات خارجية وأطماع استعمارية في موارده تقتضي في المقام الاول التعامل مع الحقائق كما هي ومجابهتها بقدر عالٍ من المسؤولية والصلابة. وأن قطاع الشمال هو أداة تنفيذ لمخطط تقف خلفه القوى الأجنبية والقضية أصلاً مع الفيل وليست مع ظل الفيل، وأن القوى الأجنبية الغربية لن ترضى بغير إحداث تغيير جذري في سياسات السودان الداخلية وعلاقاته الخارجية ليدور في فلكها ويكون خاضعاً لها لتصبح الخرطوم عاصمة بالوكالة تدار بالريموت كنترول من الخارج، ولعلهم سيعيدون مرة اخرى باسطوانتهم المشروخة عن ما يسمى بمحكمتهم المزعومة في لاهاي والمطالبة بتنفيذ الإيقاف. واذا حسب البعض إن إبداء أية تنازلات للقلة المتنفذة لقطاع الشمال ستؤدي لانفراج خارجي ورفع العقوبات وإعفاء الديون، فإنهم ينتظرون السراب وماء الرهاب، لان هذه القلة المتنفذة هي مجرد وكيل وواجهة لهم والخيوط كلها عند تلك القوى الأجنبية. وهناك تجارب عديدة مع الخواجات تثبت كذبهم وخداعهم وبعد توقيع اتفاقية نيفاشا عقد مؤتمر للمانحين بأوسلو ولكنهم خدعوا السودان ولم يقدموا له شيئاً وبدلاً عن ذلك دعموا حركات التمرد ووحدوها في جبهة واحدة وشجعوا حرب العصابات وأشعلوا نار الفتنة في دارفور وقبل سنوات كانت فضائياتهم وإذاعاتهم تلعلع وتنبح صباح مساء في بداية كل نشرة اخبار ونهايتها بما كانت تسميه مأساة دارفور وهي التي افتعلتها وصنعتها. والحل هنا يبدأ بتحقيق وحدة وطنية حقيقية ومصالحة الشعب السوداني بإيلاء همومه وقضاياه المعيشية أقصى درجات الاهتمام وقد تحمل فوق طاقته صبراً كصبر أيوب، وظل هو جمل الشيل وحمال التقيلة. وإن إرساء دعائم الدولة هو واجب الجميع مع التفريق بين الدولة والحكومة ويجب أن يسعى النظام الحاكم لإجراء عملية إصلاح شامل داخله أما بالنسبة للمنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان)، فإن لهما حقوق ومن واجب الدولة أن تنصفهما وأن تتفاوض مع أهل المصلحة الحقيقيين في هاتين المنطقتين من (أهل الجلد والرأس)، وفتح المجال واسعاً لكافة الفعاليات وتجديد الدماء وعدم احتكار التمثيل في المفاوضات من جانب الحكومة لا سيما في النيل الأزرق لأسماء ثابتة لا تتغير سواء أكانت داخل السلطة او خارجها!!.
صديق البادي
تعليقات
إرسال تعليق