أبيي..قنبلة لم تنفجر بعد


منذ بواكير انفصال جنوب السودان، تنازعت حكومتا السودان وجنوب السودان في منطقة أبيي الغنية بالنفط، وأصبحت القضية عالقة لم تحسم لتشعبها بسبب وجود أكبر قبيلتين في المنطقة هما المسيرية ودينكا نوك. حيث تصر المسيرية على شمالية المنطقة وتبعيتها لحكومة السودان مؤكدة ذلك بوثائق وخرط تاريخية تثبت ذلك. أما حكومة الجنوب فإنها تبني آمالاً عراضاً على ضم منطقة أبيي إليها لعدة أسباب منها، أنها تمثل نقطة امتداد تاريخي لقبيلة من قبائل الدينكا وهم ابناء نوك. والسبب الآخر ان المنطقة تزخر بالبترول الذي تعتمد عليه حكومة جوبا في اقتصادها، لذلك رفضت التنازل عنها لحكومة السودان. حقائق تأريخية المتابع لهذة القضية، يجد أن كل المناطق البترولية في الجنوب تقع على أراضي قبائل مناوئة لقبيلة الدينكا القبيلة المتسيدة اليوم في الجنوب، إذ جاء منها كل حكام المنطقة بدءاً بجون قرنق وخلفه سلفا كير ميارديت، ولذلك تحاول حكومة الجنوب السيطرة على المنطقة لتضمن حماية ظهرها حال توقف انسياب النفط من مناطق الإنتاج التي تسيطر عليها المعارضة الجنوبية. ولكن كل الحقائق التاريخية والوثائق والخرط القديمة أثبتت تبعية أبيي للسودان. هذه التجاذبات أوجدت أوضاعا ًغاية في الخطورة بين البلدين، وكانت حجر عثرة أمام اي تقدم في العلاقات الثنائية بينهما إذ أصبحت المنطقة الوحيدة المحروسة بقوات أممية «اليونسفا». خروقات متكررة بعد إدراك الحركة الشعبية لضرورة النأي عن الإثارة والبعد عن المنازعات اليومية التي تعطل باستمرار العلاقات الثنائية، إلا ان نذر الحرب والمواجهة كانت تلوح في الأفق حيناً وتختفي حيناً آخر. وكانت مقدمة ذلك المواجهات التي جرت بين الجيش الشعبي والمسيرية في مناطق الميرم، والتي تشير إلى ان الحركة كانت تنوي دخول الصراع بين القبيلتين في المنطقة، رغم ان الصوت الحكيم العالي يطالب بأن تنأى دولة جنوب السودان بقواتها وحركتها عن الدخول في مواجهة عسكرية مع اية فئة أو قبيلة سودانية سواء كانت في الشمال او الجنوب. جاء هذا في وقت أعلن فيه الجانبان وقفاً لإطلاق النار ودخول الطرفين في تنفيذ الاتفاقية السلمية، وبالتالي فإن أي عمل عسكري أو أي أعمال حرب يستخدم فيها الجيش كان خرقاً تحاسب عليه حكومة جوبا. وكشف البرلماني ماجد ياك، عن نزوح أكثر من ألفي مواطن من ابيي الى المجلد نتيجة لظهور انتهاكات وتفلتات أمنية في المنطقة من قبل حكومة الجنوب، مبيناً أن مواطن أبيي وجد معاناة كبيرة في دولة الجنوب متهماً جوبا بخرق اتفاقية أبيي، وطالب بعودة القوات المسلحة الى حدود «1/1/56» لتأكيد شمالية أبيي. اتهامات أممية تساءل عدد من المراقبين عن لماذا لم تحل قضية أبيي بالرغم تواتر المعلومات التي تشير إلى ظهور وثائق رسمية تؤكد تبعية أبيي للسودان، وأن هناك اتهامات أممية لدولة الجنوب بانتهاك حقوق الإنسان. اذاً لماذا لم تحل هذة القضية حتى الآن؟ وهل الصراع بين سلفا كير ورياك مشار هو السبب في تعقيد المشكلة؟ وما هي فرص الحل، وهل الحكومة الحالية في جنوب السودان يمكن أن تحل القضايا العالقة بصفة عامة؟ قضية معقدة في هذا السياق، قال موسى محمدين، الخبير في هذا الملف لـ «الإنتباهة»، إن قضية أبيي معقدة، والآن ينظر لها نظرة تنظيمية وهي كردفانية شمالية وقومية. وإذا ذهبت في هذا الاتجاه سوف يتم حلها، مبيناً أن ابناء دينكا نوك بالمؤتمر الوطني لهم مصالح شخصية ولا يريدون حل القضية الآن. وقال ان أبيي تحتاج إلى وقفة حاسمة جداًَ خاصة أنها قسمت الآن الى خمسة قطاعات، منها غرب أبيي وشمال أبيي وشرق أبيي وجنوب أبيي ووسط أبيي، وكل قطاع له رئيس، وكل رئيس له مخصصات، وهذا هو الأخطر وان ذلك لا يحل القضية. وطالب موسى حمدين الحزب الحاكم بالجلوس معهم لحل القضية بمشاركة اصحاب الرأي، مشيراً إلى انه ليس بالضرورة ان يكون المشاركون هم مسيرية فقط، باعتبار ان أبيي قضية قومية. وكان للراحل د. الترابي رأي واضح فيها ،حيث قال إنها لا تحل إلا عن طريق التفاوض. ومضى موسى قائلاً: «سبق ان طالبنا أن تكون ولاية بيننا وبين دينكا نوك، لكننا وجدنا بعض التقاطعات». مبيناً أن حل القضية يحتاج الى تحريك تيم يذهب الى رئاسة الجمهورية، خاصة ان دينق ألور الآن يقوم بترفيع القضية الى مستوى أعلى لانه أصبح وزير خارجية الجنوب. حروبات محلية وعن الصراع المسلح بين سلفا كير ود. مشار ومدى تأثيره في عدم حل القضية، قال موسى محمدين: «هذه القضية صنعوا بها حروبات محلية، ولا أقول ان مشار أفضل من سلفا، ولكنه يستوعب القضية، أما سلفا فهو استخباراتي وعلى ضوء المعلومات الاستخبارية يتحرك ويستعد للحرب». مبيناً أن القضية لا تحل بالنزاع بين الحكومتين، بل بجلوس ابناء المنطقة على أرض الواقع. وعن فرص الحل أبان: يجب ان تحل حلاً سياسياً بعيداً عن الحل العسكري، مشيراً الى أن حكومة الجنوب لها مشكلات، ولا تلتفت الآن الى أبيي، ويجب ألا نعول كثيراً على حكومة الجنوب، لانها ليست لها مصداقية. وقال حمدين: «الحكومة إذا استطاعت إقناع أبناء دينق مجوك للجلوس للتفاوض سوف يتم حل القضية». الحل في التفاوض ويضيف الفريق عبد الرحمن حسن عمر، محافظ أبيي الأسبق، ان أبناء أبيي من الحركة الشعبية دائماً يقفون حجر عثرة في كل الحلول التي قدمت لإيجاد مخرج للقضية. أما ابناء دينكا نوك في الحركة الشعبية أمثال دينق ألور ولوكا بيونق وادوارد لينو فهؤلاء لهم أجندة لا يستطيعون الفكاك منها لأن مصلحة أبناء دينكا نوك تحتم وجودهم في منطقة أبيي للتعايش مع أهلهم المسيرية. مبيناً ان أبناء المسيرية قدموا كثيراً من التنازلات ومتمسكين بالعلاقات التاريخية والأزلية، ولابد لقيادة الحركة الشعبية في دولة جنوب السودان ان تلتزم بالحلول التي تم طرحها في أديس أبابا خاصة فيما يتعلق بالإدارة المشتركة. وأضاف قائلاً: «الآن الظرف مناسب لإيجاد حل للقضية وإنهاء التنازع وإعادة الثقة بين الأطراف بعيداً عن الأجندة التي لا تدعم مصالح الطرفين». واستبعد عبد الرحمن، ان يكون الصراع بين سلفا ومشار هو السبب في تعقيد القضية، مبيناً أن مشار يلعب دورًا ايجابيًا في حل قضية أبيي، ويحاول إيجاد معالجات لها. وقال فرص الحل تكمن في جلوس الطرفين على طاولة لتقريب وجهات النظر والاستماع لصوت العقل لتنفيذ الاتفاق. وأضاف لابد من إدارة تتسم بقدر من المسئولية لقيادة المجتمعات نحو الحلول الدائمة وإيجاد شكل من الحكم يتجاوز الخلاف خاصة أن المنطقة غنية بثرواتها وتمتاز بالموقع الإستراتيجي، لكن طالتها سهام الدول التي تسعى إلى تفتيت السودان. وتمنى الفريق حسن ان يطوى هذا الملف. وأشار الى أن حكومة الجنوب الآن تعيش كثيراً من التناقضات، وأصبحت القبلية تطل برأسها في كل أشكال الحكم في الدولة مما أثر ذلك على مسيرة الحكم في دولة جنوب السودان، والدليل على ذلك اختلاف قيادات الحركة الشعبية. ومضى قائلاً: «اعتقد ان شكل الحكومة الجديدة في دولة جنوب السودان يجنح نحو السعي لعلاقات متميزة مع السودان حتى تستطيع الخروج من مأزق الحرب والاقتتال والفتنة». أبيي شمالية القيادي من المسيرية عبد الرسول النور، سبق وأن قال في حديثه لـ «الإنتباهة» ان حدود ابيي قدمت حولها عشرات الوثائق منذ العهد التركي المصري الى العهد المهدي والى الحكم الثنائي، وتم ترسيم الحدود منذ الحاكم العام. ونحن نعلم ان إعلان المبادىء الذي كان يتكون من ست نقاط عام 1994الذي وقعت عليه حكومة السودان وحكومة الجنوب، يؤكد تبعية ابيي للشمال. كذلك بروتكول ميشاكوس عام 2002م الذي تحدث عن شمالية أبيي. مبيناً ان كل الوثائق تثبت ذلك. وتابع قائلا: «في الواقع الحركة الشعبية لم تحتل منطقة ابيي وانما دخلت ببطاقة السلام في العام 2005 ويكون الامر واضحاً ان أبيي منطقة شمالية والنزاع الذي يوجد ليس حول من هم سكان ابيي بل في تبعية ابيي، فجميع القبائل التي تسكن ابيي الآن هم سكانهاَ». الخروج من المصفوفة أما مهدي بابو نمر، أحد قيادات المسيرية قال ان أبيي ترك امرها لرئيس دولة السودان ورئيس دولة جنوب السودان، وهما المسؤولان عنها الآن. وهي الآن خارج المصفوفة، مبينا ً ان ما يوجد من صراع بين سلفا ومشار ليست له صلة او رابط في تعقيد القضية. وعن فرص الحل أجاب قائلاً: «اسألوا المؤتمر الوطني عن ذلك». مبيناً أن أبيي لم تعد من القضايا التي تشغل الجنوبيين.
آمال الفحل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية