«الإنتباهة» تكشف دعم دولة جنوب السودان لمتمردي دارفور وجنوب كردفان

المثنى عبد القادر
نتيجة لاستمرار دولة جنوب السودان في دعم متمردي حكومة السودان، قرر مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري أمس برئاسة الرئيس المشير عمر البشير معاملة مواطني دولة جنوب السودان المقيمين في السودان بوصفهم أجانب لدى تلقيهم لخدمات الصحة والتعليم، كما قرر المجلس التحقق من هوية الجنوبيين المقيمين في البلاد واتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من لا يحمل جواز سفر وتأشيرة دخول رسمية خلال أسبوع، والقرار الصارم الذي سينفذ في حق مواطني دولة الجنوب جاء على خلفية إصرار جوبا على دعم متمردي السودان رغم تلويح الخرطوم خلال الشهر الماضي لحكومة جوبا بضرورة وقف دعم المتمردين، وفيما يلي أسباب وتداعيات القرار الذي أصدره مجلس الوزراء أمس:
يد الخرطوم البيضاء
ما أن غادر وفد الحزب الحاكم بدولة جنوب السودان حتى تهللت أساير الخرطوم في الصفحة الجديدة التي ستكون بين البلدين وتنعكس على الشعبين، حيث اتفق فيها الاثنان حزبا المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، والحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان، على تعاون حقيقي يسهم في تحقيق الاستقرار في البلدين، كما توافقا على التوقيع على إعلان مبادئ مشترك بينهما بجوبا خلال الثلاثة أشهر المقبلة. بعد مباحثات عقدت في المركز العام للمؤتمر الوطني بالخرطوم حيث رأس جانب المؤتمر الوطني نائب الرئيس للشؤون الحزبية، المهندس إبراهيم محمود، وجانب الحركة الشعبية الأمين العام المكلف، جيما نونو كمبا، تباحثا حول القضايا ومجالات التعاون المشترك بين الحزبين والبلدين في شتى المجالات خاصة الاقتصادية والتجارية، وسبل تذليل العقبات التي تجابه انسياب التعاملات المالية والإدارية والتجارية بين البلدين، فيما توافق الطرفان على التوقيع على إعلان مبادئ مشترك بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بجوبا خلال الثلاثة أشهر المقبلة، وأكد الطرفان أنه سيمثل البداية للتعاون الحقيقي المثمر بين الحزبين، وخلال اللقاء المشترك تم التوافق على أهمية استمرار التعاون المشترك خاصة فتح الحدود، إثر إعلان الرئيس البشير بإعادة فتح الحدود، وهي خطوة تهدف لإتاحة حرية حركة السكان والبضائع وانسياب التجارة. وينتظر أن ينعكس انتعاش الحركة التجارية بين البلدين على الولايات الحدودية المتاخمة والمناطق الحدودية التي ترتبط مع دولة الجنوب في الخط الحدودي البالغ 2.175 كيلومتراً، حيث تتوفر وسائل النقل التي تربط بين الدولتين سواء أكانت برية أو نهرية أو جوية، ما يعني سهولة الاتصال وتنشيط التجارة البينية وتبادل السلع والخدمات بين الدولتين، وفي الإطار نفسه أكد اتحاد عام غرف النقل السوداني جاهزيتهم لتفعيل التبادل التجاري مع دولة جنوب السودان وفقاً للسياسات والاتفاقيات الموقعة بين البلدين. وأعلن شمس الكمال حمد دياب المسؤول بالاتحاد أن جميع مواعين النقل بالسودان جاهزة لمد دولة الجنوب بجميع السلع الغذائية والدوائية والملبوسات عقب التوصل لاتفاق في هذا الشأن بين البلدين، خاصة وأن هناك مطالبات من التجار بدولة الجنوب لمدهم بالسلع كافة. وتوقع دياب انتعاش التجارة بين البلدين والاقتصاد بشكل مباشر بعد قرار فتح الحدود خاصة وأن الجنوب يعتمد كلياً على السلع من السودان، مؤكداً الالتزام بسياسات الدولة الموضوعة بشأن التبادل التجاري بين البلدين.
تداعيات القرار
طالبت قيادات سياسية دولة جنوب السودان حكومة جوبا بضرورة تنفيذ اتفاقية التعاون المشترك مع دولة السودان كاملة بما فيها المصفوفة الأمنية التي نصت على عدم إيواء أي طرف معارض بالبلدين. وقال القيادي في دولة الجنوب إستيفن لوال الأمين العام للهيئة القومية لدعم السلام إن العديد من القيادات بجوبا أعربت عن قلقها حول الخروقات الأخيرة للاتفاقية، مؤكدة أن استمرار حكومة جوبا في دعم وإيواء الحركات المسلحة السودانية سيؤثر سلبياً على حياة المواطن بالجنوب، داعياً الحكومة للعودة إلى صوت العقل وحل المشاكل الداخلية وتنفيذ اتفاقية السلام والابتعاد عن دعم وإيواء الحركات السالبة. وأشاد استيفن بجهود الحكومة السودانية وتعاملها مع المواطنين الجنوبيين الذين لجأوا إلى السودان جراء الحرب بالجنوب، وقرار الرئيس البشير بمعاملتهم كالمواطنين السودانيين في كافة الخدمات، مشيراً الى أن النزاعات أدت الى تدمير البني التحتية في الجنوب.
الدليل الأول
بعد قرار الخرطوم وجوبا بفتح الحدود والتطبيع لكن يبدو أن حكومة جنوب السودان درجت منذ اختيارها الانفصال وإقامة دولة قائمة بذاتها دعم وتسليح الحركات المسلحة التي تقاتل الخرطوم منذ أكثر من 6 سنوات حتى اللحظة وتوفر لهم الملاذ الآمن، والمعسكرات والتسليح والدعم اللوجستي بكافة أنواعه للحركات السودانية المسلحة. غير أن من الأمور الملفتة للانتباه أن حكومة جنوب السودان ظلت وباستمرار تعقد الاجتماعات بواسطة كبار مسؤوليها العسكريين بقادة وجنود الحركات المسلحة وكأنهم جزء من قواتها المسلحة، والجديد أنه في الخامس من يناير 2016 عقب قرار فتح الحدود على سبيل المثال عقد حاكم ولاية لوال العميد رزق زكريا حسن بمعيته اللواء ماريال تشانونق يول مانقوك قائد وحدة الحرس الرئاسي وأشهر ضباط الاستخبارات بالجيش الشعبي اجتماعاً مع قادة حركة عبدالواحد ضم 4 من كبار ضباط الحركة، في مدينة جوبا عاصمة الدولة نفسها وفي فندق (بانوراما) المجاور على طريق مطار جوبا حيث قدم القادة الجنوبيين الشكر لتعاون قادة متمردي السودان معهم بينما عدد حاكم ولاية لوال العميد رزق المهام التي أنجزتها حركة عبدالواحد مثل تأمينها للحدود ثم مشاركتها في دحر قوات رياك مشار، وتحدث خلال الاجتماع اللواء ماريال تشانونق الذي تحدث عن أهمية تأمين الحدود والسماح لحركة عبدالواحد بحرية الحركة والتنقل بالتنسيق مع الاستخبارات العسكرية، وفي ختام الاجتماع وعد العميد رزق في حديثه بأن حكومته سوف تدعم قوات حركة عبدالواحد وتساهم في تأهيلها وتدريبها.
الدليل الثاني
أما الخرق الثاني كان بعد أن أذنت السلطات المختصة بدولة الجنوب لحركة تحرير السودان المتمردة بتنظيم ندوة سياسية بأحد الفنادق وسط العاصمة جوبا بمشاركة أبرز قيادات الحركة وعدد من متمردي حركة مناوي وقطاع الشمال، حيث امتدح بيان لحركة تحرير السودان ما أسماه تعاون وتفهم السلطات بجوبا التي صادقت على الندوة رغماً عن التقارب الذي حدث مؤخراً بينها والخرطوم ووفقاً للبيان الذي وزع على هامش ندوة نظمت بشأن تطورات الأوضاع بجبل مرة فإن حكومة الجنوب السودان ما تزال تأوي عدداً من منسوبي الحركات السودانية المتمردة ومن بينها حركة تحرير السودان التي شكلت مكتباً تنفيذياً بجوبا يرأسه الصادق محمد وعضوية عشرة آخرين، وشهدت الندوة مناشدات لأبناء دارفور بجوبا للانخراط في صفوف حركة عبدالواحد نور المتمردة والقتال الى جانبها وهي تؤكد رفضها لأية حلول تفاوضية لقضية دارفور، وأضاف بيان الحركة أن الندوة تأتي ضمن أنشطة إعلامية وسياسية تنظمها الحركة بجوبا تتعلق بمجريات الأحداث بجبل مرة والحرب المدمرة التي تشنها الحكومة، مشيداً بما أسماه تفهم السلطات الجنوبية لتلك الأنشطة وتيسير إجراءاتها.
الدليل الثالث
عقب الاجتماع الأول والندوة شهدت جوبا أيضاً اجتماع عالٍ المستوى جمع متمردي قطاع الشمال وقيادات عسكرية رفيعة المستوى بالجيش الشعبي لجنوب السودان، وذلك بغرض تأمين الدعم العسكري للقطاع بجنوب كردفان، وأكدت مصادر مطلعة بقطاع الشمال أن الاجتماع كان طارئاً وناقش كيفية تأمين الإمداد الحربي الراتب الذي ظلت دولة جنوب السودان تقدمه للمتمردين بالفرقتين التاسعة العاشرة في النيل الأزرق وجنوب كردفان بجانب أشكال الدعم اللوجستي الأخرى وذلك لمقابلة حملة الصيف الحاسم التي تقودها قوات الحكومة السودانية ضد المتمردين بالمنطقتين. وبحسب ذات المصادر فإن الاجتماع حضره من جانب المسؤولين العسكريين من جانب دولة جنوب السودان مدير جهاز الأمن، ومن جانب متمردي قطاع الشمال المتمرد عزت كوكو قائد عمليات ما تسمى الفرقة الأولى والمتمرد استفانوس ناصر، حيث خلص الاجتماع لوضع خطة سرية محكمة والعمل على إنفاذها بين الطرفين. كما أفادت المصادر بمغادرة قيادات قطاع الشمال لاحقاً جوبا الى يوغندا، حيث عقد اجتماع بمنزل مالك عقار حيث منعت القيادات من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وحضره كل من الطيب خليفة (كجور نوية) قائد الاستخبارات بالفرقة الأولى ومبارك اردول (الناطق باسم وفد التفاوض) وبثينة دينار (مكتب يوغندا) وجواهر سليمان (سكرتير مكتب يوغندا) بحضور ممثلين عن الحكومة اليوغندية فيما تغييب عنه عبدالعزيز الحلو وجقود مكوار.
تحذير الخرطوم
قالت وزارة الخارجية بالخرطوم إنه من مصلحة دولة جنوب السودان الابتعاد عن دعم المجموعات التي تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في السودان، مثلما تبتعد الخرطوم عن مساعدة أي من الحركات العسكرية والسياسية المناوئة للحكومة القائمة في جوبا، على خلفية الأدلة الثالثة. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية علي الصادق، إن من مصلحة حكومة الجنوب كذلك العمل مع الخرطوم، وأضاف أن من مصلحتها العمل أجل بناء علاقات ثنائية صحية راسخة تحقق الاستقرار والأمن في البلدين، والذي سينعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لدولة جنوب السودان. وزاد الصادق «كما يتوجب على حكومة جوبا الحفاظ على التطوير الذي طرأ مؤخراً، وذلك من خلال مبادرة السودان لفتح الحدود، وإعادة النظر في أسعار نقل بترول جنوب السودان عبر الأراضي السودانية».
سحب الجيش الشعبي
رهن والي النيل الأبيض الحدودية مع دولة جنوب السودان، عبدالحميد موسى كاشا، سريان فتح الحدود مع جوبا وانسياب حركة التواصل بين رعايا الدولتين، بسحب دولة الجنوب قواتها وعلمها إلى جنوب خط 1/1/ 1956.وكشف والي النيل الأبيض، وإن دولة الجنوب إذا سحبت قواتها إلى داخل أراضيها، سننفذ فوراً سريان حركة التواصل بين رعايا البلدين وإذا لم تلتزم جوبا بسحب قواتها فلن يكون هناك فتح للحدود. ودعا كاشا، إلى جعل الحدود مع دولة جنوب السودان منطقة للتعايش السلمي بين رعايا الدولتين. وطالب كاشا القوات النظامية التابعة إلى دولة جنوب السودان إلى تنفيذ القرار الصادر من رئيسها سلفا كير ميارديت القاضي بالانسحاب إلى جنوب حدود 1/ 1/ 1956.
نفي توت
عقب أيام حديث الوالي عبدالحميد كاشا أعلن مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية في دولة جنوب السودان توت جاتلواك بأن قواتهم تراجعت حوالي (1) كيلو متر او أكثر مشيراً بأن حكومة السودان طلبت منهم التراجع ابعد من ذلك بسبب المخاوف الأمنية، وبرر توت عدم التراجع الكامل بأن القوات السالبة يمكنها الاستفادة من الحركة بعيداً عن الحدود المشتركة ويمكن استخدمها للانشطة التي قد تعرض البلدين للخطر الأمني، وكان من المفترض أن ينحسب الجيش الشعبي لمسافة 5 أميال جنوباً وفقاً لحدود عام 1956م، مما يعني أن جوبا تريد حماية متمردي السودان عبر التماطل في التراجع الاتفاق.
إغلاق الحدود
لوح مساعد رئيس الجمهورية المهندس إبراهيم محمود حامد باتخاذ إجراءات لحماية البلاد حتى لو أدى ذلك لإغلاق الحدود مرة أخرى مع الدولة الجديدة جنوب السودان إذا لم توقف الأخيرة دعمها للمتمردين في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، وقال حامد في تصريحات عقب لقاء جمع الرئيس عمر البشير مع رئيس الآلية الأفريقية ثامبو أمبيكي في الخرطوم إن الجنوب مايزال مستمراً في دعم المعارضة في المنطقتين ودارفور رغم حسن النوايا التي أبداها السودان بفتح الحدود وعدم تقييد حركة المواطنين الجنوبيين. وقال محمود إن لقاء البشير بأمبيكي تناول العلاقة مع دولة الجنوب وأشار الى إن اللقاء تطرق إلى تنفيذ اتفاقيات التعاون مع دولة الجنوب، مبيناً أن هذه الاتفاقيات كان الهدف منها تحقيق الأمن والاستقرار في الدولتين. وأوضح محمود أن الجنوب مستمر في دعم المعارضة في المنطقتين ودارفور رغم حسن النوايا التي أبداها السودان بفتح الحدود وعدم تقييد حركة الجنوبيين، وأضاف أن هناك أكثر من 30 ألف طالب جنوبي يدرسون بالمدارس والجامعات السودانية، وأضاف مساعد الرئيس نحن ننتظر تنفيذ اتفاقيات التعاون مع الجنوب الموقعة منذ 2012 حتى لا تكون هناك مشكلات أمنية بين البلدين. من جانبه، قال ثامبو أمبيكي، إن اللقاء مع رئيس الجمهورية تطرق أيضاً لتنفيذ اتفاقيات التعاون مع دولة الجنوب الموقعة منذ العام 2012م.
أخيراً
إن دولة جنوب السودان فشلت في الالتزام بطرد متمردي السودان عن أراضيها، بل قابلت الاتفاق والتساهل السوداني ومد اليد البيضاء بالمزيد من الدعم لمتمردي السودان وكأن جوبا لم تكتفِ من دماء مواطني النازحين ونقل الحلبة الى السودان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية