الشيوعي والحكمة الشعبية



(1)
الضمير الشعبي السوداني عامر بالامثلة ذات المعاني الغزيرة والدلالات السامية الرفيعة ، والحكم الشعبية تمثل اختصارا لشواهد ووقائع كثيرة في مفردات صغيرة تصور كل التفاصيل في عبارة واحدة ، ويحضرنا اليوم المثل الشعبي(الله لا جاب اليوم اللي بيدخلنا عليك) .
وحين تتباعد المواقف ويشتد الخلاف فإن لا شىء في السودان يكون سببا في الدخول على الاخر وتناسي الخلافات ، والاقتراب منه سوى شىء واحد يتعوذ منه الجميع وهو(الموت ) ، و(الفقدان) في السودان سبب اجباري لتداخل الناس على بعضهم ونسيان كل شىء آخر ، تلك هي الحكمة الشعبية التي لم تكن حاضرة في ذهن كوادر الحزب الشيوعي ، وربما الوجدان الشيوعي بشكل عام بعيد عن كل الوشائج الاجتماعية والتقاليد والاعراف ، وان كان هناك نفر يحرص على تحقيق التواصل مع العمق الشعبي فهم امثال فاطمة وامثال نقد ، والذي شهدت محطات كثيرة في حياته انه صاحب رؤية ، وربما يصور شاعر الحزب محمد عبدالرحمن شيبون في مقال له بجريدة الايام نشر يوم 10 ابريل 1960م وجاء فيه 🙁 وحتى أصدقاء السلاح رفعوا سلاحهم في وجهي ، وضربني من كنت اعلمه الرماية حتى أشتد منه الساعد ، وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام )
(2)
ان الخط السياسي لأي حزب لا ينفصل عن قيادته وعن البيئة العامة ، وقيادة الحزب الشيوعي الآن سيطر عليها بعض القيادات ذات الطابع التنظيمي والعقدي ، ان الخطيب ويوسف حسين وصديق يوسف ، ليس من بينهم مبدع او صاحب فكرة يلامس احساس الشارع العام ، انهم مثل اسطوانات قديمة تردد وتلتزم بخيارات بالية ، ولذلك تساقط دونهم كل صاحب رؤية ومنظور للغد والمستقبل ، ذهبت القيادات الفكرية ذات المشروع ، ان بؤس خيارات هذه القيادة أدى الى فصل 40 قياديا من الاطباء في امسية واحدة ، لسبب إجرائى بسيط وقد جاء في بيان استقالتهم ما يعزز هذا المنظور(التراجع المخيف عن كل تقدم أحرزه تطور الحزب الموضوعي منذ الاربعينات، في سبيل توطين مناهج الديمقراطية الداخلية والقيادة الجماعية داخل الحزب، والرِّدة عن ذلك الي مناهج الادارة المركزية التي تخضع حياة الحزب الداخلية وقراره السياسي لتقديرات كادر محصور العدد، يتسلط على أعضاء الحزب كأنه يمتلك المعرفة الكلية، والحكمة المطلقة
(وكان على رأس القائمة بروفيسور مصطفى خوجلى اشهر القيادات الشيوعية فى المجال الطبى واعرقهم).
 (3)
اما المتغير الاخر ان الحزب اصبح رهينة لحراك جديد تقوده مجموعات وجماعات ، لان هذه القيادات المتكلسة فقدت السيطرة على ادارة الحزب ، واكثر مجموعة ذات تأثير الان التيارات التي تنتهج مسار وخط الحركة الشعبية(قطاع الشمال – جناح ياسر عرمان) ، وهذه المجموعات فوق انها ذات طابع فوضي وعنيف ، فإنها تتجافى عن الواقع الاجتماعي السوداني وتقاليده ، وهي ذات المجموعات التي رعت الالحاد ، بل وتمول هذه الاتجاهات في المجتمع السوداني.
لقد عاشت الراحلة فاطمة في ايامها الاخيرة عزلة اجتماعية ومضايقة من كوادر الحزب ، حتى تم رفع توصية للحزب لفصلها من اللجنة المركزية ، وذلك لانها تنكر عليهم بعض تصرفاتهم التي لا تتسق والقيم والاخلاقيات .
ان أكبر مفارقات الشيوعية اليوم ، ان كل قياداتهم تعيش في العالم الغربي الرأسمالي وتتعايش مع هذا الواقع مما خلق حالة فصام ، وضبابية في الرؤية ، ولذلك لا نتوقع ان يعيد الحزب الشيوعي قراءة المشهد ويقدم اعتذارا جهيرا ، فهذا الحزب من عالم اخر ولا يشبه السودان تقاليدَ واعرافا.
د.ابراهيم الصديق علي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية