الحركات المسلحة .. والمسلخة !!
قد يستنكر البعض على ان قلت : بانني غير سعيد بالخلافات التي عصفت
بالجبهة الثورية التي تضم المتمردين على الحكومة ، والمنبثقة عن وثيقة الفجر
الجديد ، والذي لم يكن سوى ( فجور ) جديد في الخصومة .
ومصدر عدم سعادتي هو ان مثل هذه الخلافات ستطيل امد الصراع ، ولم تكن
مفاوضات السلام الشامل التي جرت في نيفاشا مع الحركة الشعبية ، وانتهت بتوقيع
اتفاقية السلام الشامل 2005م ، لتنجح لولا ان الحكومة كانت تفاوض جهة واحدة ،
بزعيم واحد ، ان لم يكن اوحدا ، وبصرف النظر عن النتائج التي افضت اليها طرائق
تنفيذ الاتفاقية ، وشيطان التفاصيل الذي برز بقرنية تارة ، ولعب بذيله تارات اخرى
في ثنايا ( الامبيلتيشن ) فان اتفاقية السلام الشامل جاءت تاريخية ، ووضعت حد
للقتال الذى استطال منذ ما قبل الاستقلال ، وحتى قيام دولة جنوب السودان ، التي
حصد قادتها الحصرم ، بينما نجد ان ازمة دارفور وقت باشانها ما لايحصي من اتفاقيات
، المفترض ان تكون شافية ووافية بحساب انها ترتكز على سابقة فريدة وهي اتفاقية السلام
الشامل 2005م ، لكن ذلك لم يحدث البتة ، فكلما دخلها فوج من باب السلام ، سالهم
(خزنة الحرب ) ، الم ياتكم نذير يقول ان الحكومة تخادع الحركات وتمزقها ، وتلعب
على تناقضها ، فينفضون ما ابرموا من بعد قوة انكاثا ، يتخذون التهميش دخلا بينهم ،
ولو دخلت عليهم من اقطارها ، ثم سئلوا الفتنة لاتوها ، وما تلبثوا بها الايسيرا .
والحكومة التي دعت الحركات المسلحة للحوار الوطني الشامل ، ووفرت لهم
الامن والامان ، فاستجاب بعضهم ، ومازادت الدعوة بعضهم الاخر ، الا نفورا ، وقد
كان الاقرب الي الوجدان السليم ، والمنطق القويم ، ان تسعد الحكومة باقبال الحركات
الموحدة تحت مسمي الجبهة الثورية على مائدة الحوار الوطني : ولم يبلغني انها ، اي
الحكومة سعيدة الان ، وتتراقص طربا على ايقاع البيانات المتضاربة ، والتقاطعات
العاصفة ، والتصريحات المغاضبة التي لم تنقطع عن وسائط الاعلام ومنصات التواصل ،
يلعن بعضها بعضا ، ويكفر بعضها البعض ، باسهم بينهم شديد ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى
، فالحكومة في موقف لا تحسد عليه ، فان هي استمالت كتلة دون الاخري ، وضعت على
عاتقها وزر الاتهام بانها هي التي سعت بالفتنة بين اطراف الصراع ، وبذرت بذور
الفتنة بين الشركاء المتشاكسين !!
مع ان الحرب خدعة ، وتفتيت عضد المتمردين قد يكون هدفا مشروعا ، ولكننا
سبق لنا ان اعلنا عن استعداد الحكومة لوقف العدائيات لا مجرد وقف اطلاق النار ، وذلك
اشمل ، والحال هكذا سيستعصي على الحكومة ، الوقوف على مسافة متساوية من الطرفين ،
( يعني كدة ووب ، وكدة وبين ) ولن ينفعنا ان نرتكز على بيان التوم هجو ، او على
نقيضه بيان مبارك اردول ، ولن نتمكن من فك الاشتباك بينهما ، دون الوقوع في مظنة
الممالاة والتحريض ، وهي تهمة جاهزة تجابهها الحكومة كلما انسلخت جماعة من حزب ،
او حركة من حركة ، مع ان الحكومة نفسه قد تعرض لمثل ما تعرضت له الاحزاب الاخري ، فلم
توجه الاتهامات لاي حزب او حركة بانها كانت خلف تلك الانسلاخات !!
الحركات المسلحة والحركات المنسلخة منها ، لن تقطع ارضا ، ولن تبقي
ظهرا ، اذا كانت تتصارع على مقعد رئاسي دوري لحركة متمردة ، وهي التي تتشدق
بالديمقراطية ، وتزعم انها تتبعها في لوائحها الداخلية ، ثم تفشل في اول اختبار
وكل اختبار في تنزيل ادبياتها على ارض الواقع داخليا ، فكيف لها ان تدير بلدا بحجم
السودان ، بكل تنوعه الاثني والعقدي والثقافي ، وهي تغرق في شبر ماء ، ولاتحسن
ادارة ازمتها الداخلية المتعلقة بملء مقعد الرئاسة لفترة محدودة ، وبذلك تخرج
نفسها وتخذل جماهيرها ، وتحير داعميها ، وتحبط امالهم .
محجوب فضل بدري
تعليقات
إرسال تعليق