الحركة شمال .. وطريق الاتجاه واحد




يوم 17 اغسطس من العام 1973 ، هو واحد من الايام التاريخية في بلادنا ، اذ قامت السلطات الحاكمة انذاك بتغيير مسار الحركة في الشوارع من جهة الشمال الي جهة اليمين خروجا على موروث استعماري بريطاني لم يخضع له السودان وحده ، بل كل الدول التي خضعت للاستعمار البريطاني ، ولازالت بعض الدول حتي يومنا هطا تلتزم بالمسار الانجليزي الموروث ، مثل الهند و كينيا واوغندا وبعض الدول الافريقية ، وبريطانيا نفسها بالطبع .
منتصف مارس الذي مضي سيظل يوما تاريخيا في مسار الحركة الشعبية لتحرير السودان ، شمال وفي تاريخها النضالي ، واستقرار القيادة داخلها ، فقد تاكل كرسي الامانة العامة الذي يجلس عليه صديقنا ياسر عرمان بفعل فاعل ، واهتزت صورة الزعامة داخل الحركة بعد ان تمرد نائب الرئيس عبدالعزيز الحلو ، وخرج مستقيلا ومسببا لاستقالته ، معبرا عن اساة الشخصي وخيبة امله العظيمة من تصرفات الرئيس مالك عقار وتصرفات الامين العام ياسر عرمان ، بعد ان صبر على تلك التصرفات زمنا طويلا ، لكن كؤوس الصبر المرة التي تجرعها طوال تلك السنين لم تعالج الداء ولا المواقف ، بل زادتها التهابا على التهاب ، فكان القرار الخطير الكبير الذي خضع لمشاورات ومداولات واسعة مع ابناء قبيلة النوبة ، المكون الرئيس للواءين التاسع والعاشر في الجيش الشعبي لتحرير السودان قبل الانفصال وبعده ، وهو ما هدد بقاء الحركة الشعبية شمال واحدة موحدة ، خاصة وان الاتهامات ظلت تترى وتتساوق وتتابع في حق الامين العام للحركة شمال وقلها اختطاف القضية لصالح مكاسب ذاتية وشخصية ، واخطرها الدفع بابناء النوبة الي محرقة الحرب وقبض الثمن بعيدا عن ميادين القتال .
اجتماعات كاودا الاحيرة بين قيادات الحركة الشعبية وضعت نقاط الانشقاق على حروفه ، فاصبحت الحركة حركتين ، وفقدت القيادة بوصلتها السياسية بعد التطورات التي شهدها المسرح السياسي والمتغيرات الناتجة عن رفع العقوبات الامريكية عن السودان ، والتوقعات بحذف اسمه نهائيا من قائمة الدول الراعية للارهاب بحلول اخر يونيو القادم .
نعم .. انقسمت الحركة الشعبية وانقطعت حبال الوصل بينها وبين الحركة الام في دولة جنوب السودان ، وانقطع الامداد والدعم المالي الذي كانت تدقع به جوبا لحلفائها الذين يحملون السلاح في مواجهة الخرطوم وفي مواجهة نظام حكم البشير كما درجوا على القول بذلك دائما ، وقد اخذ منسوبوا الحركة الشعبية والجيش الشعبي على القيادة التي اطيح بها مؤخرا انها لم تتجه نحو الارصدة الضخمة في البنوك العالمية والافريقية للسحب منها لصالح دفع المرتبات ، ولصالح تموين الجيش الطي دفعته الحاجة للنهب والسلب وقطع الطريق حتي يضمن غذاء جنوده ، لكنه خسر سياسيا وشعبيا نتيجة تلك التصرفات التي حمل المتمردون مسؤوليتها لقيادة الحركة الشعبية شمال ممثلة في عقار وعرمان ، خاصة وان كل عمليات النهب والسلب وقعت في ولاية جنوب كردفان الموطن الاصلي والاوسع لابناء النوبة .
الان وفيما يبدو سيحدث تقارب بين المتمردين علي الحركة الشعبية من ابناء النوبة وانباء النوبة في الداخل خاصة اولئك الذين كانوا من مؤسسي الحركة الشعبية مع زعيمها الراحل جون قرنق والذين كانوا ابعد نظرا من غيرهم واختاروا طريق السلام باكرا وقرنوه من اسم حركتهم لتصبح الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح السلام ، وسلموا قيادتها لصديقنا دانيال كودي واخرين يفهمون ما وراء المساندة المثيرة للريب والشكوك لقطاع الشمال من قبل جوبا التي تنفذ اجندة الغير وتفشل .
لازالت اذكر اول يوم لي وانا اعبر البوابة الرئيسية لمنتجعات سمبا في ضاحية نيفاشا غرب العاصمة الكينية ، وقد كان اول من قابلته انذاك صديقي القديم دانيال كودي الذي كان من المقربين لقائد الحركة الشعبية ومؤسسها الدكتور جون قرنق فاستقبلني بالاحضان ، وسالته عن موقف التفاوض الذي كان يقوده من الطرف الحكومي الاستاذ علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهوية في ذلك الوقت ، والدكتور جون قرنق عن جانب الحركة الشعبية المتمردة ، ضحك صديقي دانيال وقال لي : الولادة صعبة .. دي ما عايزة دكتور واحد .. دي عايزة كونسولتو من الدكاترة ، ولا اعرف الان ماذا سيكون رد صديقي دانيال كودي ان سالته عن مالات الاوضاع داخل الحركة الشعبية شمال ، او مالات السلام المرتجي .
مصطفي ابو العزائم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية