الجنوب وقطاع الشمال .. ارتباط غير منكور



ليس هناك من لايذكر عبارة الفريق سلفاكير ميارديت رئيس دولة  جنوب السودان الشهيرة والتي اطلقها في الاحتفالات باعلان الجنوب دولة مستقلة في العام 2011م عندما قال وامام كل الحاضرين ومن بينهم رئيس الجمهورية  المشير عمر البشير ، انهم لم ينسوا دارفو روجنوب كردفان والنيل الازرق ، ولم تمضي سوى فترة بسيطة وبدات الحركات الدارفورية اللجوء الي الي الجنوب بعد ان فقدت مناطقها فيما دشنت الحركة الشعبية قطاع الشمال حربها ضد الحكومة السودانية من الاراضي الجنوبية وبدعم عسكري ولوجستي من حكومتها وما ذالت تتلقى هذه الحركات الدعم صراحة دون مواربة من حكومة الجنوب ، والانباء تتوالى وتترى يوما بعد اخر عن استمرار هذا الدعم والاجتماعات والتنسيق ، بالرغم من الاتفاقية الامنية بين الدولتين ، والاعلان عن بدء مرحلة جديدة وفترة للتطبيع ، وبالرغم مما تم تضمينه في اتفاق سلفاكير و نائبه السابق الذي تمرد عليه د. رياك مشار بابعاد الحركات السودانية المسلحة وايقاف دعمها ، ومجددا اعلن الجنو ب امس الاول استعداده لايواء الجرحى والمصابين بمخيمات المدن الرئيسية لقوات الجيش الشعبي شمال بعد المعارك الاخيرة التي دارت مؤخرا داخل السودان .
وحسبما نقلته الاذاعة اليوغندية امس الاول عن وزير الدفاع بجنوب السودان الجنرال كوال مانيانج ، فانه كشف عن ضعف في الموقف الميداني لقوات الجيش الشعبي شمال والفرقة التاسعة والعاشرة على حدود السودان ، واشار الي ان دولته قدمت النصح للقيادة السياسية للحركة الشعبية شمال باهمية الوصول الي تفاهمات مع حكومة الخرطوم وانجاح المساعي الافريقية للسلام ، وقال سنقدم لهم العلاج لانهم حلفائهم وكانوا جزء منا ويعلمون موقفنا الاستراتيجي من قضيتهم ، وربما كان احد  وجوه الارتباط بين الجنوب وقطاع الشمال ومتمردي دافور ، بالبرغم من التراجع الميداني لقوات الحركات المسلحة ، وهو ما يؤزم العلاقة بين الخرطوم وجوبا ، وبالعودة الي مسار هذه العلاقة ، فقد ظلت محل وشد وجذب و تقارب وتباعد ، فكلما وقع الطرفان اتفاقا يتم النكوص عنه او يحدث ما يعكر صفوه خاصة من جانب جوبا ، وسرعان ما يعود الطرفان الي تبادل اتهامات دعم وايواء معارضي الطرف الاخر  ، وخصوصا جوبا التي ظلت توفر الدعم للحركات التي تحمل السلاح ضد الخرطوم ، ويرى كثيرون ان مرد هذا التعامل هو نظرة الحكومة السودانية الي الجنوب كدولة وليدة كانت يوما ما جزءا من السودان الام ، دون التفكير بطريقة استراتيجية في العلاقات الدبلوماسية وحساب الربح والخسارة ، مضافا الي ذلك عوامل اخرى منها التعاون بين البلدين في مجال تكرير وتصدير النفط عبر خط الانابيب السودانية .
وبالرغم الاتفاق المشتري حول دعم وايواء أي من الحركات المتمردة والمسلحة ضد الدولة الاخرى / فان دولة جنوب السودان ما زالت تقدم اشكال الدعم السياسي و العسكري واللوجستي كافة ، والمتمثلة في ايواء قيادات الحركات المسلحة والمتمردة وعناصرها ( متمردي حركات دافور المختلفة ومتمردي منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان ) مع تقديم كافة انواع الدعم المتمثل في الوقود والذخائر والعربات والاسبيرات ، مع علاج المرضى والمصابين في المستشفيات المختصة بذلك ، كما تمت مواجهة دولة جنوب السودان عدة مرات وبمستويات مختلفة الا ان دولة جنوب السودان مازالت مستمرة حتى اليوم في الدعم والايواء .
وبناءا على هذه المعطيات وغيرها اتخذت الحكومة السودانية عدة اجراءات باعتبار مواطني جنوب السودان الذين يقيمون بالاراضي السودانية ( اجانب ) وشرعت السلطات في ذلك بواسطة وزارة الداخلية بيد ان هذه الاجراءات لا يبدو انه يكفي لردع دولة الجنوب عن دعم قطاع الشمال وحركات دارفور وفق الخبير العسكري الامني الاعميد امن معاش حسن بيومي ، وقال بيومي لـ ( للراي العام ) امس ، ان التعامل العاطفي مع دولة الجنوب لن يجدي شيئا ان لم تتخذ الحكومة اجراءات تحفظ الامن القومي ، ومضى بيومي بقوله ان دعم حكومة الجنوب لقطاع الشمال الي يتمتع بارتباط تنظيمي مع الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب نابع من التزام من رئيس الدولة سلفاكير امام الالاف بالوقوف مع دارفور ومنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان , فضلا عن عدم وجود استقرار سياسي وتشتت الارادة السياسية بالجنوب جراء التناحر بين الساسة الجنوبيين ، وحتى داخل الحركة الشعبية بين العسكريين والمدنيين ،  واضاف بان مثل هذه القرارات قد يتخذها الجيش الشعبي وليس المدنيين واعرب بيومي عن قلقه من دعم من عدم اكتراث دولة الجنوب بتصرفاتها بتقديم الدعم للحركات المسلحة .
البعض ينتقد موقف الحكومة السودانية الذي يوصف بانه متساهل تجاه  سياسة العداء التي تتبعها حكومة الجنوب ، بجانب سكوتها عن دعم جوبا للانشطة السياسية لمعارضي الخرطوم ، وفي الاطار يرى بيومي ان الصمت الذي تتبعه حكومة السودان ليس منطقيا ، وطالب الحكومة ، باتخاذ ما يحفظ لها امنها القومي ، بيد انه يرى ان الجنوح الي اجبار الجنوب على ايقاف الدعم بالقوة قد يجر على السودان الكثير من المشاكل .
تكرار الاحداث والنفي الذي تثبته الوثائق والحوادث يطرح عدة تساؤلات عن الخرق المستمر من قبل دولة الجنوب للاتفاقية الامنية مع السودان ، وعدم الالتزام بالنص الذي تضمنه اتفاق (سلفاكير/ مشار) بشان طرد الحركات المتمردة على السودان فورا ، ولماذا تستمر الحركة الشعبية الحاكمة قطاع الشمال بحكومة الجنوب ، ولماذا لايزال هناك ارتباط تنظيمي بين الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب متمسكة بمشروع السودان الجديد وتسعي لتحقيقه عبر قطاع الشمال وحركات دارفور .
المحلل السياسي د.صفوت فانوس استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية ، يقول انه بالاضافة الي العلاقة التنظيمية ، والخصومة التاريخية بين الحزب بالجنوب والسودان ، هناك سبب اخر وهو تخوف حكومة الجنوب من هذه الحركات من الانقلاب ضدها بالتحالف مع خصومها حال اتخاذ اية اجراءات بطردها او منعها من ممارسة انشطتها من داخل اراضيها ، ووصف فانوس الوضع بالمعقد ، وقال ان لم تكن هناك تسوية شاملة بين البلدين لن يكون هناك حل ، وفيما يتعلق بالتزام الحزب الحاكم بالجنوب بعدم دعم الحركات السودانية في اتفاقية مع المعارضة الجنوبية قال فانوس ، ان الاتفاق ( الجنوبي الجنوبي ) اتفاق مفروض ، دون رضا الطرفين ، والتجارب اثبتت ذلك ، ان الاتفاق لا يعدو كونه اكثر من حبر على ورق ، وتساءل : اين رياك مشار هل عاد الى الجنوب ؟
ومن جهته ، اعتبر الخبير الدبلوماسي السفير نوري خليل ، ما يحدث بانه نابع من عدم الثقة بين الدولتين ، وقال ان الجهتين تتهمان بعضهما بايواء الحركات المناوئة ، وقال انه لا يمكن اثبات اذا ما كانت الحكومة السودانية تدعم المعارضة ، الجنوبية ، وكذلك الطرف الاخر ، بيد انه قال انه لا يمكن اقناع الجنوب بعدم دعم الحركات الا باثبات عدم ايواء الشمال للمعارضة الجنوبية حسب ما تتهم به دولة الجنوب ، وقال ان الارتباط التنظيمي بين دولة وحركة مناوئة لدولة اخرى امر غريب لا يتقبله العرف ولا القانون الدولي .
نبيل صالح    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية