اجتماعات "نداء السودان" الاستعداد ليوم التَّناد
وفي ذات اللحظة التي
انفض فيها سامر المفاوضات، قفز سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في السوق
الموازية لأرقام غير مسبوقة، الأمر الذي ترتبت عليها زيادات في الأسعار، أجبر
الحكومة على حزمة تدخلات تؤدي إلى اسناد الاقتصاد المتداعي منذ انفصال الجنوب مع
ثلثي خام النفط في السودان الموحد قبيل يوليو 2011م.
فلاش باك
في خطوة بدت مفاجئة
لكثير من المراقبين، وقعت الحكومة السودانية شهر مارس المنصرم، على خارطة الطريق
الإفريقية المرسومة بواسطة لجنة امبيكي، فيما تباطأت المعارضة لأشهر ستة بررتها
بضرورات رفد الخارطة بملحق يطمئن مخاوفها العميقة إزاء ما تراه من تنصل الخرطوم عن
تعهداتها وميلها الدائم للحلول التجزيئية. وعقب تحركات مكوكية للمبعوث الأمريكي
لدولتي السودان، دونالد بوث، نجح الأخير في نزع فتيل الأزمة وإقناع قوى نداء
السودان بتوقيع خارطة الطريق.
ولكن ما أن جلس الطرفان
في مناضد التفاوض، حتى انفجرت الأوضاع مجدداً، حد أن ذهبت جهود الوسطاء جميعها
أدراج الرياح، وصورت الوساطة الإفريقية الوضع على أنهم استصرخوا آذاناً صماء طلباً
للسلام.
وكانت الحكومة رفضت
بشكل قاطع أي محاولات لتمرير المساعدات الإنسانية لمناطق النزاع عبر محطات خارجية،
واشترطت أن تخضع المساعدات لفحص من قبيلها داخل البلاد مخافة خلطها بأسلحة ومعدات
عسكرية لصالح مقاتلي الجبهة الثورية، وكذلك رفضت -أي الحكومة- مقترح ولاية الأمم
المتحدة على شحنات المساعدات بحسبان أن ذلك يطعن مباشرة في سيادة الدولة.
وفي مسار دارفور، لامت
الوساطة حركتي العدل والمساواة، وتحرير السودان- جناح مني أركو مناوي، واعتبرت أن الفشل نجم عن
مطالبهما الرامية إلى فتح قضايا ترى الحكومة أنه قد جرى حسمها في وثيقة الدوحة
لسلام دارفور.
مسارات عديدة
بناء على ما سبق، ينتظر
أن تعمل قوى "نداء السودان" على دفع العملية السلمية المتوقفة عند عقبتي
المساعدات في مسار المنطقتين (النيل الأزرق - جنوب كردفان)، والمطالبات في مسار (دارفور).
وبلا شك فإن التئام الحلف في اجتماعات تضم خبراء من شأنه أن يفضي لاجتراح حلول قد
تنجح في إحداث اختراق متى دعا منادي الوساطة الإفريقية، كما أن إمكانية تبادل
الرؤى بين قادة المسارين وقادة مسيرة التحالف الذي يضم قوى مدنية وأخرى مسلحة، قد
يصب في مسيرة دفع المفاوضات.
وفي وقتٍ تصر الحكومة
بشدة على الفصل بين المسارات التفاوضية، فإن اجتماع التحالف في أديس أبابا نهاية
الشهر الجاري، قد يجد قنطرة تصل المسارين ببعضهما وتنتهي إلى مفاوضات شاملة كما
ترجو المعارضة وتتمنى قبل انعقاد المؤتمر التحضيري الذي أقرته خارطة أمبيكي.
(مريم
- عرمان)
على الرغم من موضوعية
أن تكون اجتماعات النداء للتهيؤ لجولة مفاوضات مقبلة، في سبيل إنجاحها، أو لأجل
وضع مزيد من الضغوطات الدولية على كاهل الحكومة؛ فإنه من الراجح أن ينشغل
المؤتمرون بحل مظاهر الخلافات التنظيمية التي طفت إلى السطح وتهدد بتآكل التحالف
في ظل مسعى جهات يتهمها قادة الحلف بالعمل على تأجيج الصراع بين مكوناته.
المشكل الأبرز جرت
وقائعه بين نائبة رئيس حزب الأمة القومي، د. مريم الصادق المهدي، والأمين العام
للحركة الشعبية - شمال، ياسر عرمان.
عرمان اعترض على ورود
احتمالية لترشيح المنصورة لمنصب المنسق مع الآلية الإفريقية عن التحالف، معتبراً
أن مواقفها معادية للحركة، وهو ما دفع الأخيرة للمناداة بتكوين لجنة تحقيق حيال
التهم غير المسؤولة الموجهة إليها.
وإن كان الحدث في ظاهره
جللاً، فإن التعامل الحكيم الذي بدر من مريم، أبطل حدته كثيراً ونقله من مظان
الشخصنة إلى براحات الموضوعية، حيث أثنت على مواقف عرمان مشيرة إلى أن التحقيق في
الأمر سيؤدي إلى فض الاشتباك بينهما، فيما لن يؤثر البتة على علائق الأمة والشعبية.
إذاً فالحاجة إلى تعزيز
موقف مريم، واجتثاث بواعث حديث عرمان، ستكون هدفاً رئيساً لاجتماعات الحلف، بيد أن
القلق، ولو بمقدار ضئيل، سيظل حاضراً، من نجاح الخصوم في خلق حالة استقطاب حول
(مريم - عرمان) تقود إلى انفراط عقد الحلف، طمعاً في تكوين تحالفات ترسم خارطة
جديدة للحل.
معضلة الإجماع
معضلة كبرى ستكون حاضرة
في اجتماعات "نداء السودان"، اسمها (قوى الإجماع الوطني). إذ ترفض
مكونات بارزة داخل تحالف الداخل الأبرز، الانخراط في مفاوضات مع الحكومة
السودانية، قبيل الإيفاء بشروط التحول الديمقراطي، المتمثلة في بذل الحريات،
وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.. الخ من قائمة مطلوبات الإجماع.
وفي أعقاب فشل جولة
المفاوضات الأخيرة، كسبت مكونات الإجماع الرافضة لخارطة الطريق الرهان، وبدا أن
السيناريو المتخيل من قبلهم قد حاز على صدقية كبيرة. وعليه سيكون من الصعب جداً
سَوْق هذه القوى للجولة الثانية من مفاوضات خارطة الطريق ولكن وجود حزب المؤتمر
السوداني في كلا الحلفين ربما يساعد في تليين مواقف الرفاق ويحضهم، في الحد
الأدنى، على المشاركة في اجتماع التحالف المقرر وإن بصفة المراقب.
أهمية المسارعة
تدرك المعارضة
السودانية، كما وتدرك الحكومة، أن عدم إبرام اتفاق سلام قبل رحيل الإدارة
الأمريكية الحالية بقيادة باراك أوباما، سيضفي تعقيدات صعبة في المشهد السياسي
السوداني، وقد تتوارى جزرة رفع العقوبات التي ترفعها واشنطون، لمدة يعلم الله وحده
مداها، ما يزيد من العبء على الأهالي، الذين تحاصرهم الحرب والمماحكات والمفاوضات
وتجار العملة.
مقداد خالد
تعليقات
إرسال تعليق