صراع الجنوب
تبدو مشكلة الحرب الضروس في دولة جنوب السودان أعمق بكثير مما
نتصور . فالمجتمع الدولي متغافل عنها بعد أن سئم انزلاقاتها وتداعياتها وآثارها
المدمرة ومسحوباتها القبلية والإثنية التي لا تهدد بانهيار الدولة الوليدة وحدها،
بل تهدد تماسك المجتمع الجنوبي نفسه
ولا يكترث المحيط
الإقليمي بما يدور ويبرز العجز الكامل بعدم تجرؤ أية قوة إقليمية على مجرد طرح
مبادرة جديدة من شأنها وقف القتال المستعر .وتكمن حيرة كثير من المراقبين والمتابعين في أن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت أكثر انشغالاً بقضية الوضع في جوب السودان ، لا تبدي أدنى اهتمام، بل صمتت تماماً عن التعليق على الأوضاع ولا يوجد ولا تصريح واحد صادر عن الإدارة الأمريكية الحالية ولا السابقة في أيامها الأخيرة عن الحرب في دولة الجنوب ، خاصة إذا علمنا أن واشنطن هي التي سعت إلى إبعاد الدكتور رياك مشار من كل المنطقة والإقليم و أوعزت الى جميع الدول في المنطقة بعدم استقباله وتوفير إقامة له ، ويتبدى هنا سؤال مهم للغاية ، هل غياب مشار وإبعاده ساعد وأسهم في عودة الاستقرار والسلام الى دولة الجنوب ؟ وهل تبع الصمت والموقف الأمريكي موقف مشابهة لهيئة الإيقاد حول الوضع في دولة جنوب السودان ؟ وهل عجزت الإيقاد عن متابعة تنفيذ اتفاقية السلام مع بديل السيد مشار ، تعبان دينق الذي نُصِّب في مكان سلفه نائباً أول لرئيس دولة الجنوب ..؟!!
ومما يزيد (الطين بلة) الآن هو التدخلات الخارجية المباشرة في الحرب بين الأطراف الجنوبية ، فمع نفي القاهرة للاتهامات التي ساقتها ضدها المعارضة الجنوبية بأن طائراتها تقصف مواقع قوات المتمردين في أعالي النيل ، ونفي جوبا كذلك للتدخل المصري ، إلا أن أطراف إقليمية في المنطقة لا تنفي ولا تؤكد ما يقال عن تورط مصري ولا تستغربه ، وتستند الى أن نفي جوبا او القاهرة لا يعني عدم وجود تدخل لأنه سبق وأن تدخلت يوغندا بقواتها علانية وعلى رؤوس الأشهاد وحارب الجيش اليوغندي حتى وصل الى ولاية الوحدة على تخوم الحدود مع السودان .
وجلب ما يقال عن التدخل المصري ردود أفعال قوية في دول المنطقة خاصة في إثيوبيا التي تنظر الى مثل هذه الأخبار والاتهامات بحساسية مفرطة واهتمام كبير جداً ، ويؤكد ذلك ويدعمه أن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين امتنع عن مقابلة أو لقاء ولو عابراً مع الرئيس المصري خلال مشاركته في إديس أبابا في القمة الإفريقية الأخيرة التي اختتمت الأسبوع الماضي ، كما أن السيد ديسالين تعبيراً عن موقف بلاده أيضاً لم يستقبل الرئيس الجنوبي سوداني سلفا كير ميارديت رغم المحاولات التي بذلت من وفد جنوب السودان في القمة الإفريقية لعقد مثل هذا اللقاء ، وتسربت أخبار أن هناك وساطات بذلت من أطراف في المنطقة بين أديس أبابا وجوبا من ناحية وأديس أبابا والقاهرة من ناحية أخرى ، إلا أنها لم تفلح في إقناع الجانب الإثيوبي للعدول عن موقفه الزاهد في لقاء الرئيسين المصري والجنوب سوداني ، وكانت الحجة هي عدم وجود فراغ وفرص متاحة في جدول مواعيد رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين .
ويلحظ المرء دون أدنى عناء أن هناك تحالفات جديدة تقوم في المنطقة بسبب جنوب السودان وهي تحالف (مصري إريتري يوغندي) داعم لحكومة الرئيس سلفا كير في جوبا ، بينما تبني أطراف أخرى في المنطقة مواقف مغايرة دون أن يظهر بشكل كافٍ ووافٍ ما يجعلها تحت الشبهات بأنها تساند موقف المعارضة الجنوبية بقيادة د. رياك مشار
أياً كانت المواقف وتقاطعاتها الإقليمية او الدولية ، فإن أراضي وتراب دولة الجنوب تحولت الى ساحة لمعارك إقليمية تُصفى فوقها الخلافات بين دول تناصب بعضها العداء ، ويوجد أكثر من سبب يبرر ذلك ، ولا يخفى على أحد أن الاتهامات الإثيوبية لمصر بالتدخل في شؤونها الداخلية بدعم معارضتها لإثارة القلاقل والاضطرابات والتوترات في أجزاء من المقاطعات الغربية والجنوبية من إثيوبيا
تعليقات
إرسال تعليق