الجنائية : يهود وترغيب شهود



(1)
كتبت في يونيو من العام الماضي في ذات زاويتي هذه ابدي استغرابي في امر المعلومات التب تناثرت بشان ( الحالة الاجتماعية ) لحبيبتنا مدعية الجنائية الدولية فاتو بين سودة .
كان مثار الاستغراب هو انها سوداء مسيحية تنتمي الي بلد افريقي هامشي ( تنحدر الست فاتو من قبيلة الديولا في غامبيا ولكنها عاشت غالب سنين حياتها في نيجيريا ) ، بينما زوجها العزيز المدعو فيليبا بن سودة ابيض ينتمي الي الملة اليهودية ، تعيش جزء من اسرته في المغرب والجزء الاخر في تل ابيب ، هي اسرة ذات اسم لامع وذائع .
بخلاف غالبية يهود المغرب من السفارديم ، فان اسرة بن سودة تنتمي الي يهود الاشكيناز ، وقد يذكر كثير من المراقبين كيف ان اسماء عدد من رموز اسرة بن سودة كانت ترد خلال سبيعينات القرن الماضي في الميديا الامريكية والاوربية بحسبانها العقول المدبرة وراء اللقاءات السرية التي كانت تعقد بين الملك الراحل الحسن الثاني وعدد من رؤساء وقادة الكيان الصهيوني عهد ذاك ، والتي اماطت لثامها بعد ذلك عدد من التقارير الامريكية والكتب والوثائقية العربية .
ومن هؤلاء البني سودات ، الكولونيل موسي بن سودة الذي طار ذكره في الثمانينات بصفته ممثلا لجيش الدفاع الاسرائيلي في عدد من اشهر العمليات التفاوضية مع حزب الله بشان تبادل الاسرى بين الحزب والدولة العبرية ،وكل ذلك دبجته ايضا الطروس العربية والعجمية  .
ولانني اعلم ان العنصرية بين البيض من يهود المغرب التي عشت في ربوعها سنين عددا ، جد فاشية ، فقد بقي السؤال عندي محلقا ومعلقا في الهواء بين يدي الريبة التي تحيط بهذه السيدة وزوجها : كيف اتفق ان هذا الفيليبا بن سودة تجاوز عقدتي العنصرية الملية والعنصرية اللونية وقفز فوقهما قفزا ، فاختار لنفسه زوجة سوداء علي غير دينه ؟ .
(2)
عموما لا شان لي انا بالسيدة وزوجها ، ما يليني فقط من الامر تلك الحماسة منقطعة النظير التي تبديها صاحبتنا هذه في ملاحقة الرئيس عمر البشير ، وكانها في حالة تنافس مع سابقها المدعي الاول لويس مورينو اوكامبو ، الذي كان يبدو امام الميديا العالمية وكان له ثارا شخصيا مع رئيس الدولة السودانية ، وقد خلته ، من كثرة ما رايت صورة ، متسكعا في اماكن تجمع انصار عبدالواحد محمد نور في نيويورك ، مخاطبا ومصفقا وشاربا للانخاب ، ومتوعدا بالقبض على البشير ، ومحاكمته ، خلته وقد اصبح ركنا ركينا في حركة تحرير السودان حاملا لبطاقة العضوية .
وقد عجزت وقتها تماما ان افهم كيف ان مدعيا يفترض ان له صفة قانونية محايدة ، وانه يشكل جزءا من منظومة عدلية دولية ، يتحول هكذا ، دون خجل او وجل ، الي نجم دائم في تجمعات تنظيمات متمردة على دولة عضو في الامم المتحدة ، ولطالما تساءلت : هل الست فاتو وصاحبها اوكامبو رجال قانون ام نشطاء سياسيين ؟
وقد بدا لي انني وجدت الاجابة على تساؤلي كامنة في حكمة للسودانة تقول " الزول بونسو غرضو " وسنعود الي تلك الاغراض ، بعد ان نجرد هنا موقفا لم نتزحزح عنه منذ افتتاح مسرحية المحكمة الجنائية الدولية ، وما برحنا نستعيده ونكرره تكرارا : وجوهره هو انه من حيث المبدا لا ينبغي ان يعترض احد على محاسبة كل من توجه له تهمة انتهاك حقوق الانسان ، ولكننا نشترط للموافقة على تسليم رئيس اي دولة لاية مؤسسة عدلية خارج بلاده ، ان تتم اولا مساءلة ومحاكمة اولئك الذين ما فتئت التكنولوجيا الاعلامية الدولية ترصد وتوثق جرائمهم ضد الانسانية على مدي سبعين عاما ، وفي مقدمتهم رؤساء دولة اسرائيل ، وقادة التحالف المسيحي اليهودي الدولي الذين تسببوا في قتل ملايين العراقيين والفلسطينيين ، وان ترفع الولايات المتحدة  الحصانة عن نفسها ، فتوقع على ميثاق المحكمة ، وتوافق على ان يخضع قادتها السياسيون والعسكريون على قدم المساواة مع غيرهم من الدول .
ثم اننا نريد ايضا ان نرى اولئك الذين اشعلوا نار الحرب في دارفور ، فاقتحموا مدنها وهاجموا البنوك والمصارف وسرقوها ، ودمروا المؤسسات والمرافق العامة وخربوها ، واذلوا الامنيين من ابناء دارفور وروعوهم ، واحالوا الاقليم باسره الي حقول للموت ، نريد ان نرى هؤلاء الذين كان مورانو اوكامبو نجما لتجمعاتهم السياسية ، وشاربا للانخاب في حفلاتهم في المدن الامريكية ، نريد ان نراهم هم ومن دبر لهم من الوراء ، ومولهم وكدس الاسلحة بين ايديهم ، وحثهم على اشعال فتيل الحرب ، وقوفا داخل اقفاض الاتهام في المحاكم الدولية قبل غيرهم .
(3)
اما وقد تبعثرت الاخبار غداة يومنا هذا ، يمنه ويسرة ، وثارت الشبهات ، وطفحت الوثائق على قارعة الاعلام العربي والدولي ، عن اموال تلقتها رئيسة المحكمة الجنائية اسما وذاتا وعينا ، وتلقاها اضرابها من المدعيين الدوليين في حساباتهم من دول بعينها ومؤسسات ذات اغراض ، بهدف اغراء الشهود وشراء ذممهم ، وحشدهم ، ثم ادراجهم في برامج حماية الشهود ، مقابل مبالغ طائلة ، وبصفة اخص ما اثير حول المحامي الاسرائيلي المستر كوفمان ودوره في برنامج توجيه الشهود وتلقينهم ، اما وقد اصبحنا وكل تلك البلايا والرزايا تغطي وجه الارض ، فلا مناص امامنا من ان تضع شروطا جديدة ، في مقدمتها ان ترتقي المنظمة الدولية الي مستوي الحدث ، فتنهض الي تحقيقات عاجلة تحت اشراف جهات ذات مصداقية ، ترفع الغطاء عن المستور ، وتنبئنا عن حجم جبل الجليد الذي لم نري الا راسه فوق الماء .
نعم  ، انكرت الست فاتو بن سودة عندما سئلت اثناء محاضرة لها في جنيف مؤخرا ما تردد من الاتهامات والشبهات التي احاطت بمؤسستها ، واجتهدت في تنظيف صورتها ، هي وقومها ، ولا عجب ، فلم يولد بعد من القضاة وممثلي الادعاء من يعترف بتلقي الرشا لنفسه ، والاموال لتحفيز الشهود .
ولكن التاريخ يعلمنا ان غلالات الريب تنكشف ، وان الشبهات تنجلي ان اجلا او عاجلا ، وقديما قيل :  " ياخبر النهار دة بفلوس بكرة يبقي ببلاش " !
مصطفي عبدالعزيز البطل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية