دولة الجنوب والمآسي الإنسانية المحزنة.
إن المأساة الإنسانية التي حدثت في
رواندا قبل سنوات بين الهوتو والتوتسي والتي أدت لإبادة بشرية بشعة قتل فيها مئات الآلاف قد أدانها العالم
أجمع والضمير الإنساني الحي، وتوقفت ولكنها تركت في النفوس جراحاً غائرة لم ولن تندمل
. وهناك حروب استنزافية مثل الحرب التي كانت بين شمال السودان وجنوبه والتي امتدت
لنصف قرن من الزمان لم تتوقف خلاله إلا لعقد من الزمان وعام وبضعة أشهر بعد توقيع
إتفاقية أديس أبابا . وقد انطلقت شرارات الحرب الأولى في أغسطس عام 1955م ولم يسدل
عليها الستار إلا بعد توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005م التي أوقفت الحرب هناك
وفتحتها في بؤر أخرى . وفي حرب الجنوب فُقدت أرواح كثيرة غالية مع جرحى عمليات
كثيرين واستنزفت أموال ضخمة ودمرت بنيات تحتية كثيرة, وكانت الحرب الاستنزافية
خصماً على التنمية والخدمات ولا يتسع المجال للخوض في تفاصيل ما حدث بعد الانفصال،
حيث سعت الدولة الوليدة الجديدة بشتى السبل لشن حرب اقتصادية ضد الدولة الأم وهي
من أسباب رفع سعر الدولار للرقم الخرافي الذي بلغه الآن وسعت الدولة الوليدة
لإيواء واحتواء كافة الحركات الشمالية المتمردة وجمعها والتنسيق بينها تحت مظلة ما
تسمى الجبهة الثورية التي كانت تمول مالياً وتدعم لوجستياً من قبل الدول الغربية
لمحاربة الدولة الأم . وإن الجنوب يشهد الآن حرباً بين بنيه
تماثل المثالين اللذين أشرت إليهما آنفاً , فهي حرب إبادة بشرية في إطار حرب
استنزافية تشير قرائن الأحوال أنها لن تتوقف بسهولة وأن الاتفاقيات الفوقية بين
القادة المتصارعين هي اتفاقيات هشة خادعة كاذبة والمؤسف ان المرارات ذات بعد قبلي
وعنصري على المستوى الفوقي والمستوى القاعدي الشعبي, وان الصراعات طالت فروع
وأفخاذ القبيلة الواحدة مع الصراعات والمواجهات الدموية المحتدمة بين هذه القبيلة أو
تلك مثل الصراع بين الدينكا والنوير من جهة وبين الدينكا والشلك من جهة أخرى وبين
النوير والشلك أحياناً من جهة ثالثة مع اشتداد الصراع بين القبائل النيلية
والقبائل الاستوائية التي تقاتل بغبن لإحساسها بالظلم والتعامل معها بطريقة دونية
كأنها في درجة أقل. وبدأت أصوات كثيرة تعلو داعية لتقسيم الجنوب لثلاث دول على
أساس إثني . وإن الضائقة المعيشية الخانقة يعاني منها جل الجنوبيين الذين
يشكون من ندرة المواد الغذائية التمونيية وارتفاع أسعارها، ودولة الجنوب في وضع
مالي واقتصادي لا تحسد عليه واقتصادها يقف على جرف هار والدولة قابلة للانهيار الوشيك
. وإن الخواجات الذين يعدون ولا يوفون بعهودهم ووعودهم ويقولون ما لا يفعلون قد
وعدوا الجنوبيين بأن ينهضوا بدولتهم الجديدة اذا وقفوا مع خيار الانفصال وصوتوا له
وتعهدوا بتوفير العيش الرغد لكافة الجنوبيين مع إقامة مشاريع زراعية تتبعها نهضة
صناعية وتنمية وخدمات، ولكن الخواجات أداروا ظهورهم للجنوب بعد الانفصال واعتبروه
من سقط المتاع وأشياءهم المنسية . وتؤكد كل الدلائل والمؤشرات ان الغرب ( امريكا
واسرائيل وكثير من الدول الأوربية ) ستسعى هذه الدول للتدخل في الجنوب شاءت حكومته
أو أبت وستفرض عليهم فرضاً عبر قرارات يجيزها مجلس الأمن والأمم المتحدة إحضار قوات
اقليمية وأممية كبيرة العدد تنتشر في الجنوب بدعوى حفظ الأمن والفصل بين القوات
والفصائل المتقاتلة ،ومن ثم تسعى هذه القوى الاستعمارية الغربية لفرض وصايتها على
الجنوب وتعيين مفوض عام أو مندوب سامي أو أي مسمى وظيفي آخر ليكون هو الحاكم
الفعلي للجنوب مع وجود موظفين أمميين وغربيين كثيرين يبسطون هيمنتهم وسطوتهم
وسلطتهم على دولة الجنوب مع القضاء على القيادات الحاكمة والمعارضة الحالية وإيجاد
رئيس جنوبي صوري وحكومة صورية تأتمر بأمرهم وبهذا تصبح دولة الجنوب أول دولة يعود
إليها الاستعمار عبر الباب بطريقة ثعلبية خبيثة. وهذا هو السيناريو المتوقع في ظل
التردي الفظيع الذي تشهده دولة الجنوب. وقد لعب الخواجات دوراً كبيراً في هذا
التردي توطئة لتدخلهم . وإن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو المشبوهة
الأخيرة لوسط افريقيا تدخل في هذا الإطار وأنظار الخواجات تتجه الآن لدولة الجنوب . وان
من واجب السودان الإنساني والأخلاقي أن يتدخل رسمياً وشعبياً ويتوسط بين الفرقاء
المتحاربين لنزع فتيل الفتنة وإيقاف حمامات الدم في الجنوب
. ومن المؤكد ان أعداداً كبيرة من
الجنوبيين الفارين من الحرب سيتوجهون شمالاً والاستجارة بوطنهم السابق الذي تخلوا
عنه بمحض إرادتهم . وبرغم معاناة قطاعات كبيرة من الشعب السوداني وعلى سبيل المثال
فإن القيمة الشرائية للجنيه في طريقها لأن تساوي قطعتي خبز فقط بدلاً عن ثلاث قطع ولكنهم
عن رضى وطيب نفس يطبقون مع إخوتهم الجنوبيين اللاجئين مقولة
( الفقراء اتقسموا النبقة ) وعلى
الجنوبيين أن يدركوا أنهم سيقيمون هنا لاجئين معززين مكرمين وعليهم احترام نظم
وقوانين الدولة المضيفة التي آوتهم وعدم الإخلال بالأمن فيها وان يكونوا منزوعي
السلاح تماماً وأن يتم تسجيل أسمائهم وأماكن سكنهم وعليهم ألا يتكدسوا في الخرطوم
والعاصمة فقط، بل عليهم الذهاب لمناطق الإنتاج والعمل في الولايات الأخرى .
والملاحظ أن الأسواق في الخرطوم ومدن العاصمة الأخرى تشهد وجود تجمعات كبيرة منهم ولساعات
طويلة للأنس بأصوات مرتفعة وقهقهات عالية مع شرب الشاي والقهوة وتحولت هذه الأماكن
لأندية مفتوحة في الهواء الطلق وعلى السلطات المختصة أن تصدق لهم أندية مغلقة إذا
كانوا مصرين على هذه التجمعات لئلا تغدو العاصمة بهذه الصورة المكشوفة كأنها عاصمة
للاسترخاء والعطالة وعدم الإنتاج والعمل !!
|
ي صديق
البا د
تعليقات
إرسال تعليق