هل تغيرت استراتيجية الخرطوم تجاه ( الجنائية ) ..؟!
التصريحات الصحفية المنسوبة لمندوب السودان بالامم
المتحدة بجنيف دكتور مصطفي عثمان اسماعيل التي اشار فيها لمشاركة الدبلوماسيين
السودانيين في فعاليات نظمتها مدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا خلال
زيارتها الاخيرة للعاصمة السويسرية جنيف ومواجهتها باتهامات الفساد وتلقي الاموال
بغرض اعداد ادلة في مواجهة الاتهامات المقدمة ضد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير
، ولعل ذلك التحرك طرح تساؤلا حول امكانية وجود تحولات في ما يتصل بالاستراتيجية
السودانية حيال التعامل مع اتهامات محكمة لاهاي
لعل البعض قد يطرح تساؤلا حول تفسير الخطوة السودانية
بالتحول من تبني استراتيجية دفاعية تجاه ( الجنائية ) لمسار مختلف بانتهاج اساليب
هجومية عبر مطاردة بنسودا خلال الفعاليات التي اقامتها بجنيف خلال الفترة الماضية
ومواجهتها بالاتهامات الموجهة لرئيسة المحكمة سيلفيا اليخاندرا فيرنانديز ذي
غورمندي التي كشفتها صحيفة ( ذي لندن
ايفينينغ بوست ) البريطانية بتلقي اموالا في حساباتها تزيد عن الـ17 مليون دولار
في دفعات تراوحت بين 150-250 الف دولار امريكي ، في المرة الواحدة استخدمت على
مايبدو في رشوة شهود بغرض مساعدة المحكمة في الاتهامات الموجهة ضد البشير .
يبدو ان تحركات جنيف الاسبوع الماضي تظهر وكان الخرطوم
في طريقها لاتخاذ خطوات صوب الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية من خلال التواجد
في الفعاليات التي تنظمها المدعية العامة للمحكمة الجنائية وهو ما يبدو مغايرا
لمنهج ( المقاطعة وعدم الاعتراف ) المنتهج سابقا .
على المستوى العملي فان ( انتقادات جنيف ) لا تعتبر
متناقضه مع الاستراتيجية السابقة بعدم الاعتراف بالجنائية وتبدو متسقة مع تحركاتها
السابقة لتاكيد اتهامات سابقة ظلت الخرطوم توجهها للجنائية كونها ( اداة سياسية
وليست قانونية يحيط بها الفساد ) ، مع وجود فارق يتمثل في استغلال الدبلوماسية
السودانية للمناشط التي تنظمها بنسودا لعرض تلك الاتعامات بهدف احباط الجهود
والتحركات التي تقوم بها الجنائية لمصلحة تحسين صورتها واستقطاب دعم سياسي وقانوني
لما تقوم به من خطوات .
خيار المقاطعة
ظل الموقف السوداني الرسمي حيال المحكمة الجنائية منذ
اصدارها لمذكرة التوقيف في حق كل من وزير الدولة بالداخلية السابقة مولانا احمد
هارون والذي يشغل حاليا منصب والي ولاية شمال كردفان ، وعلى كوشيب في العام 2007م
وما تلاها لاحقا من اصدارها لامر التوقيف في مواجهة رئيس الجمهورية المشير عمر
البشير 2009م ثم وزير الداخلية السابق الفريق اول ركن عبدالرحيم محمد حسين ، والي
الخرطوم الحالي ، في ديسمبر 2011م قائم على رفض اي شكل من اشكال التعاون او
الاعتراف بالمحكمة .
استند ذلك الموقف على بعدين اولهما قانوني يتمثل في
عدم الولاية القانونية للمحكمة علي السودان نظرا لعدم مصادقته على نظامها الاساسي
ولتعزيز ذلك الموقف قامت الخرطوم بسحب توقيعه من النظام الاساسي كثالث دول تتخذ
هذه الخطوة بعد كل من اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية ، بجانب تمسك السودان
في ما يتصل بكل اجراءات المحكمة تجاه البشير بمبدا حصانة رؤساء الدول المنصوص عليه
والمقر في المعاهدات الدولية والدبلوماسية .
في ما يتصل بالمسار السياسي فتركزت المناهضة السودانية
على الطبيعة السياسية لتلك الاتهامات واقتصار دور المحكمة في استهداف الافارقة فقط
دون سواها ، كل القضايا المحالة امام المحكمة تشمل شخصيات افريقية دون غيرهم تضمنت
رئيسين على سدة الحكم هما البشير والكيني اوهورو كينياتا الذي استقطت الاتهامات
الموجهة ضده في ديسمبر 2014م ، وهي حجة لاحقا استند عليها الافارقة في اطار
تحركاتهم المناهضة لاجراءات التي اتخذتها المحكمة في مواجهة كينياتا وتهديدهم
بامكانية انسحابهم الجماعي منها لكونها تستهدف الافارقة .
اغلاق التعاون
من ضمن السيناريوهات التي تداولتها المؤسسات السودانية
منذ صدور اوامر القبض على هارون وكوشيب في 27 ابريل 2007م هو ( التعاون مع المحكمة ) ووقتها طلب من هارون
المثول امام لجنة للتحقيق وبدات تمارس عليه ضغوط لتقديم استقالته من موقعه الوزاري
هو ما دفع للبشير لادلاء بالتصريح الشهير ومفاده ( احمد هارون لن يستقيل ولن يقال
ولن يحقق معه ) .
لاحقا في اعقاب اصدار المحكمة الجنائية في مواجهة
البشير في 4 مارس 2009م فان احدي الخيارات التي تم طرحها التعامل القانوني مع
المحكمة عبر توكيل احدي الجهات بغرض تفنيد اتهامات المحكمة وتفنيدها قانونيا سواء
كان ذلك الخيار مباشرا بظهور المحامين كمكلفين من الحكومة او بشكل طوعي بوصفهم
متعاطفين مع السودان ، الا ان تلك الخطوة تم ايقافها لكونها تفوض المنطق السوداني
القائم على عدم الاعتراف ابتداء بولاية المحكمة على السودان ، ولذلك فان الخرطوم
ظلت متمسكة بلائتها المرفوعة في مواجهة الجنائية ( لا اعتراف ، لا تعاون مع لاهاي
) .
ماهر ابو جوخ
تعليقات
إرسال تعليق