حرب الجنوب.. تلقي بظلالها السالبة على الشمال
اضطرابات
الجنوب تخلق أوضاعاً أمنية مقلقة على حدود السودان
(3) آلاف من (50) ألف سوداني بالجنوب يبدون رغبتهم في
العودة للبلاد
رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان: السودان لا يدعم أي طرف من أطراف الحرب في الجنوب
مياه كثيرة كانت قد جرت تحت الجسر عقب تقرير شعب الجنوب لمصيره وإعلانه دولة مستقلة، والخرطوم التي باركت له وساندته رغم الضرر الاقتصادي والخسائر التي تكبدتها بسبب الانفصال ظلت تكتوي بنيران الأحداث المتلاحقة، خاصة وأن الأوضاع بالجنوب لم تستقر كما خططت لها الحكومة أو تمنت لتقتلع الحرب كل أحلام الدولة الوليدة، حتى أنها عجزت عن الاحتفال بالعام الخامس لمولدها.
قبل أن يتحقق الاستقرار ويستتب الأمن، بعد الاستقلال، اندلع القتال في جنوب السودان بداية من ديسمبر 2013- بعد أقل من ثلاثة أعوام من انفصاله عن السودان- وقد قتل جراء ذلك أكثر من عشرة آلاف شخص، ونزح أكثر من مليوني شخص، قبل أن تتدخل القوى الإقليمية والدولية لتفرض على أطراف الحرب الأهلية اتفاقاً للسلام، في أغسطس الماضي، بعد عديد من الاتفاقات المماثلة، التي فشلت في إيقاف الحرب طوال عامين. وقد تطورت الأحداث فيما بعد بصورة دراماتيكية إلى معارك عنيفة، في الآونة الأخيرة، وأدت إلى سقوط الكثير من الضحايا، فيما لاذ الآلاف من السكان بالفرار إلى دول الجوار قبل أن يعلن طرفا النزاع وقف القتال.
{ السودان يتدخل لوقف الاقتتال
وفي الأثناء تدخل رئيس الجمهورية المشير "عمر البشير" لتهدئة الأوضاع، وذلك عبر اتصال هاتفي بكل من رئيس دولة الجنوب "سلفا كير ميارديت" ونائبة الأول الدكتور "رياك مشار"، مطالباً بضرورة ضبط النفس وتغليب مصلحة شعب جنوب السودان، من أجل استقرار المنطقة وعدم فتح ثغرة للإرهاب. ودعا الرئيس "البشير"، حسب تعميم صحفي من إدارة الإعلام بالقصر، الأطراف كافة لحقن الدماء وعدم جر المنطقة لصراعات قبلية وسياسية، تساهم في تعطيل عجلة السلام والتنمية في دولة جنوب السودان.
خبراء عدّوا تدخل السودان له الأثر الكبير في تهدئة الخواطر وامتصاص حالة الاحتقان لوقف السودان كطرف محايد، ومن أولي القربى مقارنة بالدول التي تسعى بحثاً عن مصالح بحتة.
{ السودانيون في الجنوب
بدأت الخرطوم في السعي لإجلاء رعاياها من جنوب السودان، بعد أن أبدى (3) آلاف منهم رغبتهم في مغادرة جوبا. وطبقاً لتعميم أصدره جهاز المغتربين فإن هنالك جهوداً لإجلاء السودانيين من دولة الجنوب (لأن عملية الإجلاء تعد قراراً رئاسياً من الدرجة الأولى، أسوة بما تم من عمليات إجلاء للسودانيين من اليمن وليبيا وأفريقيا الوسطى). وأشار المدير العام للجاليات والهجرة بالجهاز، رئيس غرفة العمليات وعضو اللجنة الفنية للإجلاء "الرشيد عبد اللطيف" إلى أن إحصائية السودانيين بجنوب السودان تصل إلى (50) ألف شخص معظمهم من التجار في مدن الجنوب المختلفة. وأكد أن نحو (3) آلاف سوداني أبدوا رغبتهم في مغادرة جنوب السودان.
في ذات السياق، أكدت وزارة الخارجية السودانية متابعتها لتطورات الأحداث بدولة جنوب السودان والقيام بإجراء اتصالات مكثفة بالسفارة في جوبا من أجل الاطمئنان على أحوال الجالية، وذهبت في بيان سابق لها إلى أن السودان سيستمر في مراقبة الأوضاع في جمهورية جنوب السودان عن كثب، وكذلك مواصلة جهوده الحثيثة مع الأصدقاء في المنطقة والشركاء الدوليين بغية التوصل إلى الاستقرار الكامل للأوضاع الأمنية في جمهورية جنوب السودان، حقناً للدماء فيها، وحتى تنصرف الجهود نحو بناء السلام وتحقيق التنمية.
وحسب أمين العلاقات بالمؤتمر الوطني د. "سيف الإسلام عمر الإمام"، أثناء حديثه بمبنى المركز القومي للإنتاج الإعلامي، أمس (الثلاثاء)، فإن الدور الذي يمكن أن يقوم به السودان تجاه الجنوب كبير باعتباره من المكونات الأساسية لطرف الصراع، وأضاف خاصة وأن العلاقات بين البلدين شهدت انفراجاً كبيراً مؤخراً.
{ أين يقف الشمال من الجنوب؟
وأكد "الإمام" إن موقف الحكومة السودانية تجاه الجنوب داعم للاستقرار، وقال: (نسعى بكل ما نملك الآن لعودة الاستقرار بالجنوب)، وذهب إلى أن الحزب الحاكم يكثف اتصالاته للدفع بعجلة السلام إلى أمام، وقال: (لا نألو جهداً في العمل على الحفاظ على الاتفاقية ولأجل مصلحة مواطن الجنوب وعلاقات الجوار). ويرى أن السودان سبق ولعب دوراً كبيراً في التوصل إلى الاتفاق بين الطرفين، وأكد أن المعوقات، التي تتمثل في الإشكالات الداخلية بالإضافة إلى العوامل الداخلية من الحروب القبلية، حالت دون تطبيق اتفاقية السلام في موعدها، ما أدى إلى انفجار الأوضاع.
بينما توقع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان د. "محمد مصطفى مضوي" عدم استمرار الاتفاق في ظل هذه الأوضاع، وقطع بأن السودان لن ولم يدعم أية مجموعة من المجموعات المنخرطة في النزاع، وأن موقفه يقتصر فقط في دعم عودة الاستقرار، مشيراً إلى أن التفلتات الأمنية بالجنوب من شأنها أن تخلق أوضاعاً أمنية مقلقة على حدود السودان. وشدد "الضو" على أن السودان على استعداد لأية وساطة يمكن أن تنزع فتيل النزاع.
{ الأثر الاقتصادي على الشمال
تشير متابعات (المجهر) إلى أن التوترات أثرت بصورة كبيرة على الاقتصاد بالجنوب، الشيء الذي ينتظر أن ينعكس سلباً على الشمال. وكان سعر صرف الدولار بدولة جنوب السودان قد ارتفع خلال فترة الحرب وتحت تأثيرها إلى أرقام قياسية، حيث وصل لأول مرة في تاريخ الدولة الوليدة إلى 50 جنيهاً في السوق الموازي، في حين يبلغ سعره الرسمي (35) جنيهاً. ويأتي الارتفاع في ظل تدهور إنتاج النفط، بالإضافة إلى تطبيق الحكومة سياسة تعويم العملة في السوق، وتأخر المانحين في ضخ أموال المساعدات بسبب اتهامهم طرفي النزاع في الدولة بعدم الجدية في إنفاذ اتفاقية السلام الثنائية.
{ المانحون يضغطون لوقف الحرب
وكان المانحون قد اشترطوا على طرفي النزاع، وهما الحكومة الحالية بقيادة الرئيس "سلفا كير ميارديت"، ومعارضيه برئاسة "رياك مشار"، التوصل إلى اتفاق لإنهاء النزاع بينهما كشرط أساسي من شروط تقديم المساعدات.
وعزا تجار في عاصمة جنوب السودان (جوبا) حسب وكالات الأنباء، ارتفاع سعر الدولار إلى ندرته في المصارف وشركات الصرافة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، حيث بلغ سعر جوال الذرة، على سبيل المثال (3000) جنيه جنوبي.
ويعتمد اقتصاد جنوب السودان على النفط، وبلغ أعلى إنتاج له في عام 2011 نحو (370) ألف برميل يومياً، وعقب اندلاع المعارك بين مجموعتي "سلفا كير" و"رياك مشار" في ديسمبر عام 2013 انخفض إنتاج النفط إلى أقل من الثلث، وأصبح ما بين (123) و(170) ألف برميل في اليوم. وتسببت الحرب في إيقاف وتدمير بعض الحقول في ولاية الوحدة، التي تنتج (189) ألف برميل في اليوم.
ويقول وزير البترول والمعادن بدولة جنوب السودان "استيفن داو" في تصريحات صحافية، أدلى بها مؤخراً، إن حقول النفط في ولاية الوحدة تحتاج إلى ما يزيد عن العام من أجل تقييم الأضرار وإصلاحها، لتنتج نصف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن عودة إنتاج جنوب السودان إلى ما كان عليه عند الانفصال تحتاج إلى وقت طويل.
وحسب محللين، فإن علاقة السودان بدولة الجنوب لا يمكن رصدها بشكل رسمي لجملة أسباب، من ضمنها إغلاق الحدود بين الطرفين، وتوقف التجارة بينهما لفترة.
وفي حديثه للمنبر، أقر الخبير الاقتصادي، د. "محمد الناير" بأن توقف آبار النفط سابقاً بفعل الحرب، قد أثر على الاقتصاد بالجنوب والشمال، وأدى إلى انخفاض النفط إلى حوالي (150) ألف برميل يومياً. وأبدى تشاؤمه من إمكانية انخفاض الإنتاجية في حال استمرار الحرب، وقلل "الناير" من أثره على الميزانية بالسودان. وقال إن عائدات النفط تقدر بحوالي (7,1) مليار جنيه أدرجت بميزانيه العام 2016. وأضاف إن عدم التزام حكومة الجنوب المستمر سيقلل من أثر الصدمة على الموازنة، إلا أنه عاد وأوصى المسؤولين بالدولة بتوخي الحذر في إعداد ميزانية العام 2017 تحسباً لأي طارئ قد يحدث لاحقاً.
{ تأثيرات متوقعة للسوق الموازي
وتوقع "الناير" أن يتأثر السوق الموازي في السودان بالحرب في الجنوب خلال الفترة القادمة. واستدل على ذلك بأن السوق يستجيب للأحداث ويقع ضحية للشائعات، الشيء الذي قد ينعكس على نفسية التجار، وبالتالي على سعر الصرف لفترة مقدرة. وأضاف "الناير" إلى ذلك توقعات بزيادة الصرف على الأمن من قبل حكومة الشمال لتأمين الحدود، حتى لا يؤثر النزاع عليها.
{ أبعاد اقتصادية أخرى
وقال "الناير" إن الجنوب على مشارف الهاوية، وهناك احتمال أن تصبح لا دولة، على حد تعبيره، ما يدعو إلى وضع تدابير في الاقتصاد السوداني تفادياً لأي خيبات متوقعة في حال استمرار النزاع. وتوقع نزوح أعداد كبيرة من المواطنين الجنوبيين للشمال، مما ينعكس على زيادة فاتورة الخدمات، وعدّ ذلك تكلفة اقتصادية كبيرة. وطالب المسؤولين في الدولة بتوضيح الأرقام الحقيقية تحسباً للاستجابة لأي مؤثرات لاحقة.
{ هل من عودة للوحدة؟
سؤال تناقلته جهات عدة في الفترة التي تلت اندلاع النزاع في الجنوب، ولم يستبعد د. "سيف الإسلام" الوحدة، وترك كل الاحتمالات مفتوحة، إلا أنه رجح خيار التعاون الإستراتيجي والتعامل الكونفيدرالي في هذه المرحلة، وأكد أن الدولتين حريصتان على التقدم في تنفيذ الاتفاقيات.
نجدة بشارةرئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان: السودان لا يدعم أي طرف من أطراف الحرب في الجنوب
مياه كثيرة كانت قد جرت تحت الجسر عقب تقرير شعب الجنوب لمصيره وإعلانه دولة مستقلة، والخرطوم التي باركت له وساندته رغم الضرر الاقتصادي والخسائر التي تكبدتها بسبب الانفصال ظلت تكتوي بنيران الأحداث المتلاحقة، خاصة وأن الأوضاع بالجنوب لم تستقر كما خططت لها الحكومة أو تمنت لتقتلع الحرب كل أحلام الدولة الوليدة، حتى أنها عجزت عن الاحتفال بالعام الخامس لمولدها.
قبل أن يتحقق الاستقرار ويستتب الأمن، بعد الاستقلال، اندلع القتال في جنوب السودان بداية من ديسمبر 2013- بعد أقل من ثلاثة أعوام من انفصاله عن السودان- وقد قتل جراء ذلك أكثر من عشرة آلاف شخص، ونزح أكثر من مليوني شخص، قبل أن تتدخل القوى الإقليمية والدولية لتفرض على أطراف الحرب الأهلية اتفاقاً للسلام، في أغسطس الماضي، بعد عديد من الاتفاقات المماثلة، التي فشلت في إيقاف الحرب طوال عامين. وقد تطورت الأحداث فيما بعد بصورة دراماتيكية إلى معارك عنيفة، في الآونة الأخيرة، وأدت إلى سقوط الكثير من الضحايا، فيما لاذ الآلاف من السكان بالفرار إلى دول الجوار قبل أن يعلن طرفا النزاع وقف القتال.
{ السودان يتدخل لوقف الاقتتال
وفي الأثناء تدخل رئيس الجمهورية المشير "عمر البشير" لتهدئة الأوضاع، وذلك عبر اتصال هاتفي بكل من رئيس دولة الجنوب "سلفا كير ميارديت" ونائبة الأول الدكتور "رياك مشار"، مطالباً بضرورة ضبط النفس وتغليب مصلحة شعب جنوب السودان، من أجل استقرار المنطقة وعدم فتح ثغرة للإرهاب. ودعا الرئيس "البشير"، حسب تعميم صحفي من إدارة الإعلام بالقصر، الأطراف كافة لحقن الدماء وعدم جر المنطقة لصراعات قبلية وسياسية، تساهم في تعطيل عجلة السلام والتنمية في دولة جنوب السودان.
خبراء عدّوا تدخل السودان له الأثر الكبير في تهدئة الخواطر وامتصاص حالة الاحتقان لوقف السودان كطرف محايد، ومن أولي القربى مقارنة بالدول التي تسعى بحثاً عن مصالح بحتة.
{ السودانيون في الجنوب
بدأت الخرطوم في السعي لإجلاء رعاياها من جنوب السودان، بعد أن أبدى (3) آلاف منهم رغبتهم في مغادرة جوبا. وطبقاً لتعميم أصدره جهاز المغتربين فإن هنالك جهوداً لإجلاء السودانيين من دولة الجنوب (لأن عملية الإجلاء تعد قراراً رئاسياً من الدرجة الأولى، أسوة بما تم من عمليات إجلاء للسودانيين من اليمن وليبيا وأفريقيا الوسطى). وأشار المدير العام للجاليات والهجرة بالجهاز، رئيس غرفة العمليات وعضو اللجنة الفنية للإجلاء "الرشيد عبد اللطيف" إلى أن إحصائية السودانيين بجنوب السودان تصل إلى (50) ألف شخص معظمهم من التجار في مدن الجنوب المختلفة. وأكد أن نحو (3) آلاف سوداني أبدوا رغبتهم في مغادرة جنوب السودان.
في ذات السياق، أكدت وزارة الخارجية السودانية متابعتها لتطورات الأحداث بدولة جنوب السودان والقيام بإجراء اتصالات مكثفة بالسفارة في جوبا من أجل الاطمئنان على أحوال الجالية، وذهبت في بيان سابق لها إلى أن السودان سيستمر في مراقبة الأوضاع في جمهورية جنوب السودان عن كثب، وكذلك مواصلة جهوده الحثيثة مع الأصدقاء في المنطقة والشركاء الدوليين بغية التوصل إلى الاستقرار الكامل للأوضاع الأمنية في جمهورية جنوب السودان، حقناً للدماء فيها، وحتى تنصرف الجهود نحو بناء السلام وتحقيق التنمية.
وحسب أمين العلاقات بالمؤتمر الوطني د. "سيف الإسلام عمر الإمام"، أثناء حديثه بمبنى المركز القومي للإنتاج الإعلامي، أمس (الثلاثاء)، فإن الدور الذي يمكن أن يقوم به السودان تجاه الجنوب كبير باعتباره من المكونات الأساسية لطرف الصراع، وأضاف خاصة وأن العلاقات بين البلدين شهدت انفراجاً كبيراً مؤخراً.
{ أين يقف الشمال من الجنوب؟
وأكد "الإمام" إن موقف الحكومة السودانية تجاه الجنوب داعم للاستقرار، وقال: (نسعى بكل ما نملك الآن لعودة الاستقرار بالجنوب)، وذهب إلى أن الحزب الحاكم يكثف اتصالاته للدفع بعجلة السلام إلى أمام، وقال: (لا نألو جهداً في العمل على الحفاظ على الاتفاقية ولأجل مصلحة مواطن الجنوب وعلاقات الجوار). ويرى أن السودان سبق ولعب دوراً كبيراً في التوصل إلى الاتفاق بين الطرفين، وأكد أن المعوقات، التي تتمثل في الإشكالات الداخلية بالإضافة إلى العوامل الداخلية من الحروب القبلية، حالت دون تطبيق اتفاقية السلام في موعدها، ما أدى إلى انفجار الأوضاع.
بينما توقع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان د. "محمد مصطفى مضوي" عدم استمرار الاتفاق في ظل هذه الأوضاع، وقطع بأن السودان لن ولم يدعم أية مجموعة من المجموعات المنخرطة في النزاع، وأن موقفه يقتصر فقط في دعم عودة الاستقرار، مشيراً إلى أن التفلتات الأمنية بالجنوب من شأنها أن تخلق أوضاعاً أمنية مقلقة على حدود السودان. وشدد "الضو" على أن السودان على استعداد لأية وساطة يمكن أن تنزع فتيل النزاع.
{ الأثر الاقتصادي على الشمال
تشير متابعات (المجهر) إلى أن التوترات أثرت بصورة كبيرة على الاقتصاد بالجنوب، الشيء الذي ينتظر أن ينعكس سلباً على الشمال. وكان سعر صرف الدولار بدولة جنوب السودان قد ارتفع خلال فترة الحرب وتحت تأثيرها إلى أرقام قياسية، حيث وصل لأول مرة في تاريخ الدولة الوليدة إلى 50 جنيهاً في السوق الموازي، في حين يبلغ سعره الرسمي (35) جنيهاً. ويأتي الارتفاع في ظل تدهور إنتاج النفط، بالإضافة إلى تطبيق الحكومة سياسة تعويم العملة في السوق، وتأخر المانحين في ضخ أموال المساعدات بسبب اتهامهم طرفي النزاع في الدولة بعدم الجدية في إنفاذ اتفاقية السلام الثنائية.
{ المانحون يضغطون لوقف الحرب
وكان المانحون قد اشترطوا على طرفي النزاع، وهما الحكومة الحالية بقيادة الرئيس "سلفا كير ميارديت"، ومعارضيه برئاسة "رياك مشار"، التوصل إلى اتفاق لإنهاء النزاع بينهما كشرط أساسي من شروط تقديم المساعدات.
وعزا تجار في عاصمة جنوب السودان (جوبا) حسب وكالات الأنباء، ارتفاع سعر الدولار إلى ندرته في المصارف وشركات الصرافة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، حيث بلغ سعر جوال الذرة، على سبيل المثال (3000) جنيه جنوبي.
ويعتمد اقتصاد جنوب السودان على النفط، وبلغ أعلى إنتاج له في عام 2011 نحو (370) ألف برميل يومياً، وعقب اندلاع المعارك بين مجموعتي "سلفا كير" و"رياك مشار" في ديسمبر عام 2013 انخفض إنتاج النفط إلى أقل من الثلث، وأصبح ما بين (123) و(170) ألف برميل في اليوم. وتسببت الحرب في إيقاف وتدمير بعض الحقول في ولاية الوحدة، التي تنتج (189) ألف برميل في اليوم.
ويقول وزير البترول والمعادن بدولة جنوب السودان "استيفن داو" في تصريحات صحافية، أدلى بها مؤخراً، إن حقول النفط في ولاية الوحدة تحتاج إلى ما يزيد عن العام من أجل تقييم الأضرار وإصلاحها، لتنتج نصف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن عودة إنتاج جنوب السودان إلى ما كان عليه عند الانفصال تحتاج إلى وقت طويل.
وحسب محللين، فإن علاقة السودان بدولة الجنوب لا يمكن رصدها بشكل رسمي لجملة أسباب، من ضمنها إغلاق الحدود بين الطرفين، وتوقف التجارة بينهما لفترة.
وفي حديثه للمنبر، أقر الخبير الاقتصادي، د. "محمد الناير" بأن توقف آبار النفط سابقاً بفعل الحرب، قد أثر على الاقتصاد بالجنوب والشمال، وأدى إلى انخفاض النفط إلى حوالي (150) ألف برميل يومياً. وأبدى تشاؤمه من إمكانية انخفاض الإنتاجية في حال استمرار الحرب، وقلل "الناير" من أثره على الميزانية بالسودان. وقال إن عائدات النفط تقدر بحوالي (7,1) مليار جنيه أدرجت بميزانيه العام 2016. وأضاف إن عدم التزام حكومة الجنوب المستمر سيقلل من أثر الصدمة على الموازنة، إلا أنه عاد وأوصى المسؤولين بالدولة بتوخي الحذر في إعداد ميزانية العام 2017 تحسباً لأي طارئ قد يحدث لاحقاً.
{ تأثيرات متوقعة للسوق الموازي
وتوقع "الناير" أن يتأثر السوق الموازي في السودان بالحرب في الجنوب خلال الفترة القادمة. واستدل على ذلك بأن السوق يستجيب للأحداث ويقع ضحية للشائعات، الشيء الذي قد ينعكس على نفسية التجار، وبالتالي على سعر الصرف لفترة مقدرة. وأضاف "الناير" إلى ذلك توقعات بزيادة الصرف على الأمن من قبل حكومة الشمال لتأمين الحدود، حتى لا يؤثر النزاع عليها.
{ أبعاد اقتصادية أخرى
وقال "الناير" إن الجنوب على مشارف الهاوية، وهناك احتمال أن تصبح لا دولة، على حد تعبيره، ما يدعو إلى وضع تدابير في الاقتصاد السوداني تفادياً لأي خيبات متوقعة في حال استمرار النزاع. وتوقع نزوح أعداد كبيرة من المواطنين الجنوبيين للشمال، مما ينعكس على زيادة فاتورة الخدمات، وعدّ ذلك تكلفة اقتصادية كبيرة. وطالب المسؤولين في الدولة بتوضيح الأرقام الحقيقية تحسباً للاستجابة لأي مؤثرات لاحقة.
{ هل من عودة للوحدة؟
سؤال تناقلته جهات عدة في الفترة التي تلت اندلاع النزاع في الجنوب، ولم يستبعد د. "سيف الإسلام" الوحدة، وترك كل الاحتمالات مفتوحة، إلا أنه رجح خيار التعاون الإستراتيجي والتعامل الكونفيدرالي في هذه المرحلة، وأكد أن الدولتين حريصتان على التقدم في تنفيذ الاتفاقيات.
تعليقات
إرسال تعليق