زلزال الحركة الشعبية (1)
لم أدهش لانفجار الصراع بين نائب قطاع الشمال بالحركة الشعبية
عبدالعزيز الحلو وكل من عقار وعرمان رئيس وأمين عام قطاع الشمال، فقد كنت أعلم أن
ما يقوم به عرمان من تسخير لقضية جبال النوبة من أجل أجندته القومية المتمثلة في
مشروع السودان الجديد ظل يثير احتجاجات صامتة أحياناً ومرعدة مبرقة في أحايين أخرى
بين قطاعات واسعة من أبناء جبال النوبة، فقد نحا عرمان ورفاقه في الحركة الشعبية
منحى زعيمهم الانتهازي قرنق الذي استخدم أبناء جبال النوبة وصعد على جماجمهم
لتحقيق حلمه الكبير لحكم السودان من خلال مشروع السودان الجديد الذي أراده أداة
عنصرية تمكن الجنوب من حكم السودان.
صحيح أن الحلو فجر الصراع داخل الحركة الشعبية من خلال استقالة مدوية
قدمها لقيادة تنظيمه النوبي الذي سماه بمجلس تحرير إقليم جبال النوبة والذي قدمه
على الحركة الشعبية التي ظل يأتمر بأمرها منذ التحاقه بها في ثمانينات القرن
الماضي الأمر الذي يعبر عن انقلاب جذري في تفكير الرجل وتوجهه السياسي بالرغم من
أن هذا يحتاج إلى تحليل أعمق لمعرفة ما ينطوي عليه وهل هو انقلاب حقيقي أم تكتيكي،
ولكن أكثر ما أدهشني تلك العنصرية التي حفل بها المقال وتلك السذاجة التي عبر بها
عن قناعاته الجديدة مما سأكشف عنه لاحقاً إن شاء الله.
إن أكثر ما أدهشني أن يكون عرمان بكل سوئه وتاريخه المجلل بالمخازي
حمامة وديعة بالمقارنة مع الحلو الذي سكب في خطاب الاستقالة عبارات تنضح بالحقد
العنصري الأعمى وإليكم بعضاً مما أورده في ذلك الخطاب الذي أراد أن يستقطب به
أبناء النوبة على أسس إثنية تذكر بأسلوب فيليب عباس غبوش في مخاطبة النوبة فقد قال
مخاطباً النوبة :( الهدف النهائي المتمثل في القضاء على التهميش بكل أشكاله
وأنواعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبل المركز العروبي
الإسلامي الإقصائي)، ثم قال في فقرة أخرى متحدثاً عما سماه بالقمع الذي تعرض له
شعب النوبة من : (جانب مؤسسة الجلابة الحاكمة في الخرطوم) ثم تحدث عما سماه
(الزرقة) في دارفور الذين قال إنهم يتعرضون للاضطهاد واستمر الرجل في إيراد تلك
العبارات الناضحة بالعنصرية والتي تنم عن حقد مجنون تعجز الجبال الرواسي عن حمله.
عبدالعزيز الحلو ، مثله مثل عرمان وعبدالواحد محمد نور وباقان أموم ،
نشأ في حضن الشيوعية التي تشوه كل من ينتمي إليها وتملأه بالأحقاد والسخائم
وبنظرية الصراع التي تقوم عليها الأيديولوجية التي تعتبر الدنيا دار حروب طاحنة
وصراع دامٍ بين الطبقات ..كل طبقة (مستغلة)- بفتح الغين - تقضي في نهاية الأمر على
الطبقة (المستغلة)- بكسر الغين - أو المهمشة وتلك العبارات هي عين ما استنسخه كل
المنتمين للشيوعية في التعبير عن قضايا مجتمعاتهم بأنين كل حركاتهم الثورية على
نظرية الصراع الطبقي بكل ما تحمله من أحقاد ومرارات أما العفو والصفح والتسامح
والتكافل وكل القيم الرفيعة التي تدعو إليها الأديان فلا مكان لها في تلك النظرية
الشيطانية البغيضة.
دعونا نمضي في تحليل خطاب الحلو ونتساءل ما الذي حمل الرجل يا ترى
على الانقلاب على رفاقه من خلال استدعاء إثنية النوبة و(قضية) جبال النوبة في
مواجهة عرمان وعقار ؟
لا أشك البتة أن الرجل انصاع للتمرد المتصاعد بين أبناء النوبة الذين
اقتنعوا أنهم مستغلون من قِبل أناس لا علاقة لهم بقضيتهم، فقد التحق كثير منهم
بمسيرة السلام آخرهم القائد أبوكيعان، وقد قرأت قبل أيام قليلة قائمة طويلة
لتوقيعات من قِبل قيادات نوبية لا تنتمي إلى المؤتمر الوطني كلها تضغط من أجل
السلام والانخراط في الحوار سيما بعد رفض عرمان للمبادرة الأمريكية بشأن نقل
الإغاثة الإنسانية والتي أيدتها دول الترويكا (أمريكا وبريطانيا والنرويج)
والاتحاد الأفريقي والمبعوثون الأوربيون الذين ضغطوا على عرمان لقبول تلك المبادرة.
هناك عنصر آخر مهم فقد شكا الحلو من اضطهاد وتجاهل تعرض له من قبل
عرمان الذي استعاض عنه ببعض قيادات أبناء النوبة وقد اعترف الحلو صراحة بأنه لا
ينتمي إثنياً لأبناء النوبة وقال إن (عدم اتفاق أبناء النوبة على تمثيلي لهم في
القيادة بسبب الإثنية فتح الباب للرئيس (عقار) وللأمين العام (عرمان) لتجاهل آرائي
باستغلال بعض ضباط جبال النوبة وراء ظهري لخدمة أجندتهم وتمرير قرارات مصيرية
خطيرة على مستقبل الثورة).
لا أشك لحظة في أن الحلو يعني جقود مكوار المنحاز حتى الآن لعرمان
فقد انقلب عرمان وعقار على الحلو بتجريده من قيادة الجيش الشعبي وتنصيب مكوار وذلك
ربما كان أكبر أسباب غضب الحلو على عرمان وعقار .
الخطاب يمتلئ بالمرارات التي ساقت الرجل لتقديم استقالته وكشفت عن
الصراع الخفي الدائر طوال السنوات الماضية بين عرمان والحلو الذي كان يرفض كثيراً
من قرارات عرمان خلال قيادته للتفاوض مثل عدم طرحه تقرير المصير لجبال النوبة
وإبرامه لاتفاق نافع عقار واتفاق الترتيبات الأمنية الذي أجاز دمج الجيش الشعبي في
القوات المسلحة.
أواصل غداً سبر أغوار الانفجار الذي حدث في الحركة الشعبية إن شاء
الله.
الطيب مصطفى
تعليقات
إرسال تعليق