أنا وعرمان.. وظلم ذوي القربي! “3”
حين أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان عن اسم مرشحها لإنتخابات رئاسة الجمهورية.. انقسم الناس إلى فريقين.. جريا على عادة السودانيين.. فريق يرى في ترشيح ياسر عرمان تأكيدا على قومية الحركة الشعبية.. وأن عرمان هو الأكثر شعبية وبالتالي الأوفر حظا للفوز.. وفريق يرى فيه مقدمة للانفصال.. حجتهم أن الأحزاب عادة ما تقدم رؤساءها للمنصب الأول.. كما أن ترشيح أحد رموز الحركة من أبناء الجنوب لحكم السودان كان هو المعزز لقومية الحركة وليس العكس.. وبدأت الحملة الانتخابية للمرشح ياسر عرمان.. والتف حوله كثيرون.. وتلقائيا إصطف خلفه جل اليسار.. بل استقطب رموزا في قامة المطرب الراحل محمد وردي.. وكان المؤتمر الوطني يرى في ترشيح عرمان.. بجانب البغض التاريخي.. إخلالا باتفاق غير معلن يقضي بألا تخوض الحركة انتخابات رئاسة الجمهورية.. على أن تستمر في بقية المستويات.. مقابل أشياء كثيرة من بينها الوفاء بالتزامات الاستفتاء.. ومارس الوطني أقصى المتاح من الضغوط في هذا الصدد.. وبالمقابل كانت حملة عرمان تزداد شراسة وقوة.. ورعبا.. والعكس صحيح.. والمفاجأة المذهلة.. أن الضغوط بسحب ياسر عرمان لم تأت من الوطني فحسب.. بل تلقى الفريق سالفا كير رئيس الحركة ورئيس حكومة الجنوب رسالة مطولة من زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي يطالب هو الآخر بسحب عرمان من سباق الرئاسة لأسباب عددها في رسالته.. ليس من بينها المقاطعة التي كان يتحدث عنها تحالف أحزاب جوبا في ذلك الوقت.. لأن السيد الصادق نفسه لم يكن مع المقاطعة..!
في ظل هذا الوضع.. أبلغني مسؤول كبير في الدولة والحزب في منتصف مارس تقريبا.. مع طلب (شديد) بعدم النشر.. أنهم تلقوا تأكيدا من الدكتور رياك مشار بسحب عرمان في الوقت المناسب..!!
وحملة عرمان تتصاعد والانتخابات تقترب من موعدها المضروب.. وقبل نحو عشرة أيام فقط من توجه الناخبين لصناديق الاقتراع.. وتحديدا في يوم 31 مارس 2010 وبعد أن تجاوزت الساعة السابعة مساء بدقيقتين فقط.. كانت وكالة رويترز الإخبارية تبث للعالم هذا النص من الخرطوم.. (قالت الحركة الشعبية لتحرير السودان يوم الأربعاء أنها قررت سحب مرشحها من انتخابات الرئاسة التي ستجرى الشهر المقبل.. وأضاف ريك مشار نائب رئيس الحركة للصحفيين إن الحركة قررت أن ينهي مرشحها ياسر عرمان حملته لانتخابات رئاسة الجمهورية.. وقال إن الصراع في دارفور والمخالفات الانتخابية هي السبب في هذا القرار مضيفا أن الحركة ستقاطع أيضا الانتخابات على كل المستويات في دارفور).. ولم أندهش يومها أن يكون القائل هو رياك مشار.. غير أنه لفت نظري أن رويترز التي اهتمت بنقل ما رأته مهما فات عليها الأهم.. وهو أن الحركة مستمرة في خوض الانتخابات في بقية المستويات كافة.. أما حكاية الوضع في دارفور التي تعلل بها رياك مشار فقد كان جليا أنها محض حجة..!
ولعل أفضل من لخص المشهد كان ذلك الناشط الذي كتب يقول.. (أن تخوض الحركة الشعبية الانتخابات في الجنوب وعلى مستوى الدوائر الجغرافية في كل السودان.. فهذا يعني أكبر ضربة لما يسمى بتجمع جوبا وهدية كبيرة للمؤتمر الوطني.. فالحركة لم تقاطع الانتخابات.. إنما انسحبت من المنافسة على مستوى الرئاسة.. ولهفي على عرمان وهو يحرم حتى من مكافأة نهاية الخدمة كمرشح سابق).. أما ما لم تسمع به رويترز يومها فهو تعليق عرمان الذي كان في جولة ولائية.. (لابد أن للحركة شرحا لهذا القرار!).. وهذا يعني أنه لم يكن جزءا من صناع ذلك القرار.. فهل من ظلم أكبر من هذا..؟
محمد لطيف
تعليقات
إرسال تعليق