الحركة الشعبية.. الخلافات تعصف بمشروع السودان الجديد
ما تزال تداعيات ما بعد الصدمة
في الحركة الشعبية – شمال، مستمرةً، كما ولا تزال محاولات تكييف رسم بياني معين
لتحديد الاتجاهات المستقبلية في وسط الفوضى التي تضرب صف الرفاق، مستمرة.
وبعد عاصفة استقالة نائب رئيس
الحركة عبد العزيز الحلو ومهاجمته لرئيس وامين عام الشعبية، مالك عقار وياسر عرمان
على التوالي، وبيان مجلس تحرير النوبة القاضي بسحب الثقة عن الأمين العام، رشحت
انباء كثيرة، عن تازم الموقف داخل صفوف الشعبية على الرغم من تحركات الوفود ودول
جارة من أجل إيجاد معالجة عاجلة للأزمة المستفحلة.
جوبا على الخط
إزاء التطورات الكبيرة التي
شهدتها الحركة الشعبية اليومين الماضيين حد الذهاب إلى كون انشقاقها بات أمراً لا
مناص منه، عقب الاستقالة التي دفع بها عبد العزيز الحلو ومن ثم رفضها من مجلس
التحرير بجبال النوبة مع إقالة ياسر عرمان من وفد التفاوض بات راجحاً انشقاق
الحركة الشعبية بين مكونات النيل الأزرق وجبال النوبة.
وهو اتجاه شعرت إزاءه جوبا
بقتامة في مستقبل الرفاق بدولة السودان خاصة وأن الشعبية شمال متهمة بالعمل كمخلب
قط لحكومة الجنوب من اجل تاجيج الحروبات بدولة الشمال.
وبحسب مراصد صحافية فإن مواطنين
من دولة جوبا هاجموا قافلة محملة بالإغاثات وبها 170 من جوالات الذرة كانت في
طريقها لمعسكر خاص بالجبهة الثورية برغم أن دولة الجنوب تعيش مجاعة حقيقية
واستقبلت في الأيام الماضية الإغاثات من دول الجوار إلا أنها لا تزال داعمة لقطاع
الشمال من أجل الإبقاء عليه بعيداً من التشرزم والانشقاق طبقاً لمراصد صحافية.
وطالب رئيس منبر السلام العادل،
المهندس الطيب مصطفي الحكومة السودانية بموقف واضح حالة ثبوت دعم جوبا لقطاع
الشمال. ومضي مصطفي الي ابعد من ذلك وطالب في حديثه لـ(الصيحة) بإغلاق الحدود مع
الجنوب الذي يدعم حركات الشمال.
تحول جديد
المتابع لطبيعة الصراعات داخل
قطاع الشمال يجد أنها باتت تتخذ طابعاً جهوياً وإثنياً حاداً ويتضح ذلك بصورة
عميقة في تفاصيل استقالة عبد العزيز الحلو التي حوت مطالبة بتقرير مصير أهل
الجبال، والمطالبة بإفساح المجال أمامهم لقيادة الحركة في المرحلة المقبلة.
ثم تلى الاستقالة ابعاد ياسر
عرمان من قيادة وفد التفاوض بحجة أنه يتفاوض من أجل قضايا قومية وليس محلية تخص
النوبة ويوضح الحلو في استقالته أن النوبة ظلموا في عدة اتفاقيات ولم ينالوا
حقوقهم مستشهداً باتفاقية نيفاشا وانتفاضتي اكتوبر 1964م ورجب ابريل 1985م.
ويعزو المستشار السابق لمالك
عقار، المك عبيد أبوشوتال ارتفاع أصوات الجهوية والإثنية داخل تنظيم الشعبية شمال
إلى نشأة الحركة القائمة في الأساس على الجهوية والقبلية وقال ابوشوتال لـ
(الصيحة) إن الحركة الشعبية تعمل بدون مؤسسات وتقوم على (الشلليات) والجهوية مستشهداً
بحالة إقالة الحلو وتحويله للمعاش الأمر الذي أثار غضبة جماعات النوبة الموجودة
بالشعبية شمال أمثال رمضان حسن وخميس جلاب وتلفون كوكو وأحمد بلقا قائلاً إن هذه
الأسماء تملك تاثير كبير في أبناء جبال النوبة ولعبت دوراً مهماً في تفجر الصراعات
الحالية من خلال المناداة بانصاف ابناء الجبال وابعاد التيارات القومية من الحركة
بعد استقالة الحلو ونجحت بالفعل في اقالة عرمان واردول من وفد التفاوض، قائلاً إن
الشعبية شمال تنظيم جهوي وسيتلاشى قريباً لأنه لا يعرف المؤسسية.
تباين رأي
حديث ابوشوتال عن تفشي الجهويات
واحاكم قبضتها على مفاصل الأمور داخل الحركة يبدو غير مهضوم للقيادي بالحركة
الشعبية عمر الطيب أبوروف الذي جزم بقومية الحركة مبيناً أن الشعبية شمال تعمل
بطابع قومي تتبني من خلاله كل القضايا التي تهم السودان مشيراً في حديثه لـ
(الصيحة) إلى أن نهج الحركة القومية ظل ثابتاً قبل انفصال السودان.
وفي الصعيد ذاته يقول رئيس منبر
السلام العادل المهندس الطيب مصطفى لـ (الصيحة) إن النوبة شعروا بأنهم يقاتلون من
أجل مطالب عرمان الشخصية ولا يقتالون من أجل مطالبهم الذاتية خاصة أن عرمان يطرح
مشروع السودان الجديد لذلك مارسوا ضغوطاً على عبد العزيز الحلو من أجل إجباره على
الانحياز لأبناء النوبة وترك مشروع السودان الجديد وبالتالي دفع الحلو باستقالته
محتجاً ومنحازاً في نفس الوقت لقضايا اهله.
هجوم لاذع
وشنّ القيادي بالحركة الشعبية
مبارك أردول هجوماً يعد الأعنف من نوعه على أبناء النوبة واتهمهم بالسعي لتحويل
الشعبية شمال من حركة قومية وطنية إلى حركة إثنية مؤكداً أن الحركة الشعبية ستظل
حركة لكل السودانيين والسودانيات وقال في بيان صحافي مذيل باسمه إن محاولة إرجاع
النوبة في ردة إلى الوراء ليس سوى محاولة للعودة لفترة ما قبل العام 1969م وهي
فترة اتحاد أبناء النوبة الذي اقتنع الاب فليب عباس غبوش بعدم جدواه فقام بحله،
مشيراً إلى أن القوميين النوبة يريدون تقزيم الحركة الشعبية كم فعلوا مع الأب فليب
عباس في وقت سابق وأضاف: "نحن لن نسمح لهم بذلك".
سر التوقيت
توقيت انفجار الصراعات في صفوف
الحركة الشعبية يثير عدة تساؤلات أبرزها لماذا الخلافات الآن وهل هنالك خلافات ظلت
مكتومة طوال السنوات الماضية. هنا يجيب عمر الطيب أبوروف بالقول إن الضغط الدولي
والإقليمي على قطاع الشمال والاستمرار في التفاوض هو من فجر الخلافات خاصة وأن
قضية التفاوض تخضع لمناقشات داخلية دقيقة يطرح فيها كل طرف آراءه مشيراً لتمسك
أبناء النوبة بالجيش الشعبي بعدم حله وجعله نواة حقيقية للجيش السوداني هذا ما أدى
لتباين وجهات النظر ثم تطورات الخلافات إلى أن برزت للسطح.
ويتفق الطيب مصطفى مع أبوروف في
النقطة المتعلقة بضغط المجمتع الدولي على الشعبية شمال وإرغامها بالعملية السلمية
وبالمقابل يشدد المك عبيد ابوشوتال على وجود خلافات شديدة بالشعبية منذ نشأتها
الأولى معتبراً ما جرى بأنه أمر طبيعي.
ما وراء الخلافات
ويتساءل مراقبون عن سر انفجار
الأوضاع بصورة كبرى في الشعبية دون سابق إنذار وهل هنالك تحولات ساهمت في حدوث هذه
الخلافات؟
في هذا الصدد يقول الطيب مصطفى
إن المجمتع الدولي والترويكا تحول من دعم الحركة الشعبية للضغط عليها وإجبارها
بالقبول بالمبادرة الأمريكية المتعلقة بالإغاثات لافتاً لتحولات في ميدان القتال
متمثلة في انتهاء الحرب في دارفور عطفاً على الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعيشها
جنوب السودان مروراً بتحسن العلاقات السودانية مع أمريكا وقال إن كل تلك
المتغييرات ساهمت في تبعثر أوراق الحركة وإصابتها بالربكة، مضيفاً أن هذا المأزق
جعل الحلو في وضع سيء فعمل على تحميل عقار وعرمان مسوؤلية تدهور الأوضاع بالحركة
ومن ثم أخرج الحلو زفراته الساخنة.
تيارات جديدة
عقابيل انفجار الصراعات داخل
قطاع الشمال بدأت القيادات الكبرى بالحركة تشكل نوعاً من الاصطفاف فبرز تيار يقوده
عرمان وعقار وجقود مكوار ومبارك أردول في قبالة اصطفاف آخر يقوده عبد العزيز الحلو
ورمضان حسن وأسامة كالو ويجد التيار الأخير سنداً قوياً من أبناء النوبة بقيادة
خميس جلاب ومنير شيخ الدين بغية إبعاد عرمان ومن حوله من قيادة الحركة وتمليك زمام
الأمور لأبناء جبال النوبة ويبرز اسم رمضان حسن نمر كأقوى المرشحين لتسنم منصب
الأمين العام بديلاً عن ياسر عرمان.
أبعاد دولية
وتشير المعلومات إلى أن الحركة
لاشعبية بجنوب السودان تسعى لملمة الخلافات، وراجت أنباء عن وصول وفود رفيعة من
قطاع الشمال إلى العاصمة جوبا في محاولة لرأب الصدع في الحركة.
بوقتٍ يتهم مراقبون دولة عربية
مجاورة بالضلوع في الخلافات الأخيرة من خلال تحريض عبد العزيز الحلو على الخروج من
صفوف الحركة الشعبية وتحريضه –كذلك- على التمسك بمواقفه الراديكالية الرافضة لدمج
الجيش الشعبي والمطالبة بتقرير المصير والشاهد في الأمر أن الحلو كان قد طار لهذه
الدولة قبل شهر من تفجير الصراعات وعرفت هذه الدولة كحاضنة سياسية لمعارضة السودانية
في فترة حكم الإنقاذ.
مستقبل قاتم
ويرسم خبراء مستقبلاً قاتماً
للحركة الشعبية شمال وسط أنباء تشير لتحول الصراع بين الفرقاء لصراع دموي بحسب ما
هو جارٍ طبقاً لتسريبات لا يعرف مدى دقتها وتقول بحدوث معارك وتصفيات بين قادة
الفريقين.
وحول مستقبل الحركة الشعبية في
ظل كل هذه التطورات، يقول الطيب مصطفى إنه يصعب التكهن بموقف الحركة الشعبية في
الوقت الحالي ولكنه عاد وجزم بتغير مواقفها لاحقاً.
بينما يصر المك عبيد ابوشوتال
على تلاشي الحركة في المستقبل، بينما يتوقع مراقبون أن تتدخل جوبا من خلال عملية
تهدئة للأوضاع والإبقاء على القيادة الحالية للعبور من المأزق الحالي بينما يرحِّج
مراقبون الإطاحة بالحلو خارج اللعبة بصورة كبرى خاصة أن من يقفون ضده في الضفة
الأخرى يمثلون الثقل القوي للحركة ميدانياً وسياسياً بينما يرحِّج فريق آخر انقسام
الحركة لحركتين في مقبل الأيام.
عبد الرؤوف طه
تعليقات
إرسال تعليق