وقف إطلاق النار.. الحكومة تمد جسور الثقة
في سانحة هي الثانية من نوعها أعلن رئيس الجمهورية المشير حسن أحمد البشير أول أمس وقفاً جديداً لإطلاق النار بمسارح العمليات في جنوب كردفان والنيل الأزرق لمدة أربعة أشهر وأرجع الخطوة لمنح الحركات المتمردة الفرصة للانضمام للعملية السلمية، والبادرة الأولى كانت تمت سابقاً من قبل الحركات المسلحة إذ أعلنت وقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر لذات الأسباب إلا أن الخطوة الأولى لم تكلل بالنجاحات ولم تمنح الحركات المسلحة الرغبة للتوقيع على خارطة الطريق على اتفاقيات رغم الوسطات الخارجية. ويبدو أن السانحة الثانية التي بدرت من الرئيس بوقف إطلاق النار تختلف عن سابقتها ويمكن أن تكون هدية من الحكومة للحركة الشعبية والحركات المسلحة التي تواجه ضغوطات أميريكية بهدف التوقيع على خارطة الطريق الإفريقية.
وقف إطلاق النار الذي أعلنه المشير عمر البشير تزامن مع تأجيل الاجتماع الذي كان من المقرر أن يُعقد الخميس بأديس أبابا بين الحركات المسلحة وبين مبعوث أوباما للسودان وجنوب السودان دونالد بوث وهو التأجيل الذي تم بسبب غياب رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ويرى مراقبون أن وصول مني وجبريل إلى أديس الذي جاء لاحقاً نهار الجمعة بأنه جاء نتيجة للضغوطات الأميريكية، غير أن الرجلين آثرا الغياب ابتداء لإرسال رسالة حتى لامريكا بأن مقاليد نداء السودان لا تزال بيديهمها وأن غيابهما يمكن أن يعصف بكل جهود خارطة الطريق. ومن جانب آخر فإن ذات المراقبين يرون أن الحكومة غير راغبة في إجراء مفاوضات مع الحركات بحسبان أن الحكومة أظهرت للمجتمع الدولي كله حسن نيتها بتوقيعها خارطة الطريق وتأجيلها عمومية الحوار الوطني بهدف إلحاق الحركات المسلحة وأخيراً إعلان وقف إطلاق النار لأربعة أشهر أخرى بعد تلك التي أُعلنت عند بداية الحوار الوطني.
ويلاحظ المراقبون الذين تحدثوا لـ(الصيحة) أن لعبة السياسة ظاهرة جداً بين الحركات المسلحة وأحزاب المعارضة من جانب وبين الحكومة من الجانب الآخر من واقع أن كلا الطرفين يريد أن يكسب نتيجة بعينها فضلاً عن سعيهم معاً لإرضاء المجتمع الدولي، بيد أن المراقبين يؤكدون أن الحكومة لها الرغبة الأكيدة في إضعاف الحركات المسلحة الأمر الذي ربما يأتي بانعكاس سلبي ويؤدي إلى عواقب أخرى مثل خلق اختناق داخلي وتنشيط الخلايا النائمة داخل العاصمة نتيجة الكبت السياسي للحركات المسلحة أو داخل التنظيمات العسكرية وبذلك يتم الوصول إلى نتيجة أخرى وهي حصاد الأرواح.
علاقات عامة
الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان اعتبر في تعميم صحفي أن وقف إطلاق النار الصادر من رئيس الجمهورية لمدة أربعة أشهر نوع من أنواع العلاقات العامة، داعياً الحكومة إلى إرسال وفودها إلى اديس أبابا فوراً للجلوس في إطار الوساطة الإفريقية لتفعيل الإعلانين، السابق والحالي، لوقف إطلاق النار والوصول إلى آليات ومراقبة لوقف العدايات في المسارين وقال عرمان: "إن الجبهة الثورية بجميع تنظيماتها قد أبدت استعدادها لمثل هذه الخطوة في إعلان باريس". ونقل تأكيدات الحركة الشعبية مرة أخرى واستعدادها للجلوس لمناقشة وقف العدائيات ومخاطبة القضايا الانسانية.
وأكدت الحركة الشعبية علمها والجيش الشعبي بوجود تحركات حكومية متابعة من قبل الحركة الشعبية في منطقة النيل الأزرق تستهدف مناطق الحركة فضلاً عن أن هناك محاولات مستمرة للسيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية.
وقف عدائيات
عرمان يرى أن وقف إطلاق النار لا يعني وقف العدائيات ويؤكد أن الحركة الشعبية لا تسمح البتة بأن يتم إجلاء الجرحى إلا في ظل وقف عدائيات إنساني يسمح بإجلاء جرحى القوات المسلحة في إطار اتفاق مشترك ومراقب إقلمياً ودولياً. واعتبر أن كل ذلك يجب أن يمهد لإجراءات بناء الثقة التي تستند على مخاطبة القضايا الانسانية وتوفير الحريات ووقف الحرب بشكل متلازم ومتزامن، وعدم عزل أي قوة من قوى نداء السودان والمعارضة كافة من العملية السياسية والحوار المتكافئ، لا سيما قوى الاجماع، وقطع عرمان بأن القوى المجتمعية في أديس أبابا لن تصل إلى ما يرضي الشعب ويحقق مطالبه في التغيير.
لا جديد
من جانبه اعتبر المحلل السياسي بابكر فيصل في تصريح لـ(الصيحة) أن وقف إطلاق النار المعلن أول أمس لن يكون له أي أثر في دفع حركتي مني وجبريل للتوقيع على خارطة الطريق، مشيراً إلى أنه قبل فترة تم الإعلان من قبل لوقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر ولم يجبر ذلك الحركات المسلحة على التوقيع على الاتفاق غير أن الحكومة- حسب بابكر- غير معترفة بمسألة الحوار فضلاً عن وجود ضغوطات على المعارضة بالتوقيع على خارطة الطريق في وقت يظهر من المتابعة لمواقف مني أركو مناوي أنه رهن التوقيع على الاتفاق بالإجابة على تحفظات بعينها، غير أن الحكومة ليست لديها الرغبة في الإجابة على التخفظات، كما صرح بذلك من قبل مسؤل ملف دارفور أمين حسن عمر، إلا أنه يبدو أن جبريل إبراهيم خضع للوساطة الأميريكية وذلك بعد أن وصل في وقت سابق زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي وقيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال، فضلاً عن وصول رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير إلى العاصمة الاثيوبية للمشاركة في الاجتماع التشاوري لقوى نداء السودان بمشاركة المبعوثين الدوليين لبحث توقيع قوى المعارضة على خارطة الطريق.
مواقف متبادلة
رهن المحلل السياسي بابكر فيصل الوصول إلى اتفاق في أديس أبابا بالموافقة على التحفظات التي طالبت بها الحركات المسلحة من قبل ومنها أن لا ينصب الحوار في ما أصدره حوار الخرطوم فقط وأن يبدأ حوار بالخارج ويشارك فيه كل الأطراف فضلاً عن فتح ممرات لوصول الإغاثة إلى المتأثرين بالحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان قبل الحوار واعتبر أن أركو مناوي هو الأكثر تشدداً باعتبار أنه له تجارب سابقة مع الحكومة غير أن قوى الإجماع بعيدة كل البعد عن الحوار، منوهاً إلى أن فاروق أبوعيسى قال من قبل إن المفاوضات الجارية بأديس أبابا لا تعنيهم في شئ.
واختتم بابكر حديثه بالدعوة إلى ضرورة ترتيب البيت من الداخل ومن ثم تحديد الخطوات الداعمة للحوار. هذا وكان مراقبون قد أكدوا من قبل أن الحكومة لا تعترف بالآخر وقسمت الأحزاب إلى حزبين وهما حزب الله والذي اعتبرته حزبها، وحزب الشيطان، مؤكدة أن جل الأحزاب التي قامت بالانضمام إلى الحوار الوطني تعتبر أحزاباً مجهرية لا ترى بالعين المجردة وليس لها وزن.
هذا ويرى ذات المراقبين أن انضمام حزبا مني وجبريل إلى الحوار يُفرغ حزبهما من محتواه، خاصة إذا نظرنا إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي قام بالانضمام إلى الحوار ولم يحصد إلا الخسران.
بادرة خير
وقف إطلاق النار يمثل بادرة حسن نوايا دعت لها الحكومة لإعطاء الفرصة للحركات المتمردة غير الموقعة على وثيقة الدوحة لإلقاء السلاح واللحاق بالعملية السلمية في السودان وكما جاء القرار "تجديداً لدعوة رئيس الجمهورية لجميع القوى السياسية والحركات المسلحة للانضمام للحوار الوطني قبل انعقاد الجمعية العمومية للحوار في السادس من أغسطس المقبل". فإن المأمول أن تبادر الحركات المسلحة بإبداء حسن النوايا أيضاً فما قامت به الحكومة يندرج بالتأكيد تحت مطالب تهيئة مناخ الحوار التي ظلت تطالب بها الحركات وأحزاب المعارضة.
ابتسام حسن
تعليقات
إرسال تعليق