الخرطوم وجوبا وكمبالا .. من الصراع الي التعاون

دائما ما تلقي مجموعة الازمات الدولية الضوء على زوايا مظلمة وبعيدة عن خط البصر فالمنظمة القائمة في الولايات المتحدة ظلت تتابع عن كثب ما يدور في اقصي القرن الافريقي من صراع مكتوب منذ بدايات تسعينات القرن الماضي عندما كانت الخرطوم تحارب الحركة الشعبية في الجنوب فاخذت يوغندا تدعم جيش الحركة خوفا من تمدد الاسلام الذي رقعته رايته الخرطوم الامر الذي جعل العلاقات بين الخرطوم ويوغندا في خانة العداء والذي تحول بعد الانفصال الي حد تريد معه كل دولة تحسين علاقتها مع الاخرى حتى جنوب السودان المنفصل حديثا لتحخلص المجموعة الي ان هناك حلفا جديدا يتخلق من القرن الافريقي بيد انها رهنت نجاحه بنجاح المفاوضات واعتبرت ان فشل مرامي التكتل الجديد تعني خلق ازمة جديدة في المنطقة ، وتقول مجموعة الازمات في تقرير اصدرته امس بعنوان السودان وجنوب السودان واوغندا من الصراع الى التعاون ، كتبه الصحافيان كاسي كوبلاند وماغنوس تايلور بينا جاء فيه ان اوغندا التي عرفت تاريخيا باقوي حليف لدولة جنوب السودان تسعى لخلق علاقات ببناءة مع السودان عبر حراك كبير على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي .
دوافع وتفاهمات
تقرير مجموعة الازمات الدولية اعاد الدافع للمبادرات الجديدة الى الازمة الاقتصادية في جنوب السودان الي جانب رغبة اوغندا والسودان في حماية مصالحهما في جنوب السودان التي توجد بها احتياطات كبيرة من النفط ، باعتبار ان السودان يريد الحفاظ على انسياب النفط عبر اراضيه لما يوفره له ذلك من موارد بينما ترى مجموعة الازمات ان جوبا نفسها لديها دوافع كبيرة لتطبيع العلاقات مع السودان من واقع حوجتها الكبيرة لمد جسور الثقة خاصة وانها تسعي لاعادة التفاوض حول شروط الاتفاق الخاص بنقل النفط المبرم في العام 2012 بحجة الحاجة الي اتفاق جديد يتناسب مع تراجع سعر الدولار عالميا والضائقة المالية التي ضربت دولة الجنوب بعد الحرب الاهلية وبالرغم من عدم رغبة جوبا في اجراء ترتيبات جديدة مع السودان الا ان احجام المانحين عن انقاذ جنوب السودان ماليا ، ما لم تتبني جوبا تدابير شفافية وسماءلة اكثر صرامة ، يجعل الخيارات الاخري اكثر سواء ، في الوقت الذي تبدي فيه الخرطوم رغبة في التعاون فالبرغم من تميز اقتصاد الجنوب بالمرونة الا انه مازال يعاني من اثار صدمة ما بعد الانفصال وفقدانه نصيبه من عائدات النفط اضافة الي العقبات التي تواجه تجارة الحدود بين البلدين ، وبالمقابل تريد الخرطوم من جنوب السودان المساعدة في انهاء الحروب بدارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وايقاف دعمها للمتمردين عليها .
صعوبة الاتفاق
ولكن رغم الرغبة المتبادلة بين السودان وجنوب السودان في اقامة علاقات جديدة تخدم مصالحهما المشتركة الا ان مجموعة الازمات الدولية ترى ان التوصل الي اتفاق بينهما في الوقت الراهن قد يكون امرا في غاية الصعوبة لكنه لن يكون في حكم الاستحالة من واقع ان الظروف الان مواتية اكثر من اي وقت مضي منذ انفصال الجنوب قبل خمس اعوام ، خاصة وان البلدين تعلم تماما ان استمرارها في التعاون بجدية من اجل تعزيز علاقاتهما الثنائية سيجعل الفرصة سانحة لحل نزاعات مترابطة اخري ولاسيما النزاع في المنطقتين وذلك ان اتفاقا بين الخرطوم وجوبا من شانه ان يحد من مسرح عمليات المتمردين السودانيين وبخاصة قطاع الشمال الامر الذي يقود الي ترتيبات امنية جديدة على الحدود .
تنافس طويل
مجموعة الازمات الدولية ترى ان جنوب السودان ظل مسرحا للتدخلات والحرب بالوكالة بين الخرطوم وكمبالا كانت متوجسة في تسعينيات القرن الماضي من سيطرة الاسلاميين على الحكومة في السودان وعملت للتوسع جنوبا عربيا واسلاميا الامر الذي جعل يوغندا تدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان خلال الحرب الاهلية في السودان لمواجهة المد الاسلامي المزعوم بينما قامت الخرطوم حينها بدعم قوات جيش الرب والقوات الديمقراطية المتحالفة وغيرها .
ويشير التقرير الي ان كلا من اوغندا والسودان تقاسمتا المصالح المشتركة بدولة الجنوب بما في ذلك انتاج النفط دون عوائق خلال فترة الاستقرار التي شهدها عهد الرئيس سلفاكير ميارديت بالرغم من اشتداد المنافسة بين الدول المجاورة له من اجل ايحاد مؤطي قدم في الدولة الوليدة ، مشيرا الي ان السودان يحتاج الي رسوم عبور النفط لدعم اقتصاده الهش بعد الانفصال ، كما ان تحول مخاوف كمبالا من الامن  الي الاقتصاد ، جعلها ترغب في دولة جنوب مستقرة ومزدهرة نشطة تجاريا وخاصة في ولاية الاستوائية المجاورة لها كما ان كمبالا تؤمن بحقها في ان تكون لديها اليد العليا في القرارات الاستراتيجية الكبرى التي تتخذها جوبا وذلك ان دعمها التاريخي للجيش الشعبي يعكس اتفاق التعاون في مجال الدفاع منذ فترة طويلة والذي يتضمن السماح بتدخل الجيش الاوغندي عبر الحدود الامر الذي نفذته اوغندا بالفعل فعندما اندلعت الحرب الاهلية في جنوب السودان في ديسمبر عام 2013 ، نشرت اوغندا قواتها لدعم حكومة جوبا المحاصرة ، مجددة بذلك التوتر مع السودان .
من الحرب الي السلام
قامت بالتوسط بين الاطراف المتنازعة في جنوب السودان خوفا من انتقال العدوى اقليميا في اعقاب اندلاع الحرب الاهلية في جنوب السودان وبالرغم من انها فشلت في ايقاف الحرب في جنوب السودان خلال الاشهر الاولي الاا نها نجحت الي حد كبير في سحب السودان واوغندا من مواقف اكثر عدائية نحو ايجاد حل للحرب يمكنهما دعمه على حد سواء قبل ان تتم مناقشة اتفاقية السلام بدولة الجنوب لدي اجتماع قمة رؤساء الايقاد والتي حضرها رئيس الجمهورية عمر البشير والرئيس الاوغندي يوري موسفيني وشمل الاتفاق ايضا انسحاب القوات الاوغندية وجمع سلاح وتسريح جميع القوات المتمردة السودانية الموجودة بدولة الجنوب والتي تشمل الجيش الشعبي لتحرير السودان وحركة العدل والمساواة والتي تقول الخرطوم ان جوبا تدعمها ماديا .
سوابق للتعاون
وبالرغم من الارادة السياسية فان التعقيدات الكامنة في ملف الحدود والعلاقات المتازمة بين الاطراف تجعل عملية التسوية الهشة عرضة للمخاطر في وقت يصبح فيه الشك وانعدام الثقة سيد الموقف الا ان ذلك لا يقلل من المكاسب التي حققها المفاوضون في الاتفاقيات السابقة .
ويختتم تقرير مجموعة الازمات الدولية بخلاصة تري انه ان ينجح السودان وجنوب السودان في التوصل الي اتفاق جديد فان ذلك قد يرجع التكوين الاقليمي الي حالته السابقة من عدم الاستقرار والشك والحرب بالوكالة الا ظهور تجمع عملي جديد من شانه ان يغير ميزان القوى الاقليمي في منطقة القرن الافريقي ويقدم مزايا فريدة للانظمة في كل من جوبا وكمبالا والخرطوم ويساعد في انهاء واحد من اطول الصراعات الدائمة في افريقيا .
انصاف العوض


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية