اسرائيل في جنوب السودان




السودان في الاجندة الاسرائيلية :
والسودان بصفته اكبر الاوطان العربية العربية واثراها بالموارد الطبيعية وموارد باطن الارض محل اهتمام لا يتزحزح ، ووجد جنوب السودان اهتماما خاصا في الاجندة الاسرائيلية ، لعدة اسباب اهمها قربه من مصدر مياه النيل بل ومشاركته بنسبه يعتد بها في زيادة مصادر المياه بما يهطل فيه من امطار غزيرة ترفد النيل بانهار بحر العرب وبحر الزراف ونهر السوباط ، وكذلك فان مشروعات تطوير الموارد المائية لنهر النيل تربط جميعا بجنوب السودان بمعالجة المستنقعات والتبخر لضمان تدفق اكبر قدر من المياه شمالا ، كذلك فان الجنوب يمثل عمقا بعيدا للعالم العربي في عمق القارة الافريقية .
وفصل افريقيا العربية عن افريقيا الزنجية ظل هدفا لا يحيد عنه المخططون الاستراتيجيون في اسرائيل ، ثم ان الجنوب يختلف اثنيا ودينيا الي مدي ملحوظ عن بقية اجزاء السودان ، وقد وفرت السياسة الاستعمارية البريطانية الادوات الشريعية والسياسية لتكريس هذا الاختلاف بل وتحويله لانشقاق في جنوب السودان ، ولعل ذلك لم يكن بمبعدة عن ما تتطلع اليه الصهيونية ، فاصابع اسرائيل في بريطانيا كانت ذات تاثير كبير خاصة وان امور السودان كانت تدار في وزارة الخارجية لا في وزارة المستعمرات ، ووزارة الخارجية اكثر تعرضا للنفوذ الصهيوني من وزارة المستعمرات كما يدرك العارفون .
العقدة الاسرائيلية في مسالة الجنوب :
اسرائيل كانت حاضرة منذ اليوم الاول في مسالة الجنوب والتي بدات بتمرد توريت في العام 1955م وقبل اعلان استقلال السودان ، وكان هدف التمرد فصل جنوب السودان على الرغم من اختيار كل زعمائه للوحدة مع الشمال في مؤتمر 1947م ، وكان هذا الاختيار على خلاف ما سعي اليه منظمو المؤتمر الاستعماريون ، وجاء قرار الزعماء بالوحدة موجعا ايضا للكنيسة الكاثوليكية والكنائس الاخري التي استاثرت بالشان الاجتماعي والدعوة والتعليم في جنوب السودان ، اما سياسة اسرائيل لاستخدام مسالة الجنوب اداة لاضعاف السودان فيعبر عنها وزير الامن الاسرائيلي الاسبق افي دختر بوضوح ودون مواربة ( كانت هنالك تقديرات اسرائيلية حتى مع بداية استقلال السودان في منتصف عقد الخمسينات انه لا يجب ان يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا ان يصبح قوة مضافة الي قوة العالم العربي لان موارده ان استثمرت في ظل اوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها الف حساب .
وفي ضوء هذه التقديرات كان على اسرائيل او الجهات ذات العلاقة او الاختصاص ان تتجه الي هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الازمات وانتاج ازمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الازمات معضلة يصعب معالجتها فيما بعد ، وكون السودان يشكل عمقا استراتيجيا لمصر فهذا المعطي تجسد بعد حرب الايام لسنة 1967م عندما تحول السودان الى قواعد تدريب وايواء السلاح الجو المصري والقوات البرية هو وليبيا .
ويتعين ايضا ان نذكر بان السودان ارسل قوات الي منطقة القناة اثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر منذ عام 1968-1970م ، لذلك كان لابد ان نعمل على اضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم انها تعج بالتعددية الاثنية والطائفية لان هذا المنظور الاستراتيجي الاسرائيلي ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الامن القومي الاسرائيلي .
فالحصول على موطئ قدم راسخ في الجنوب كان هدفا استراتيجيا لكن استخدام الجنوب وسيلة لاضعاف السودان الكبير والتسبب في تمزيقه كان هدفا اخر لا تقل اهميته عن الهدف الاول ، وقد نفذ عملاء اسرائيل بطرق واضحة وخفية الي جنوب السودان منذ التمرد الاول .
وظلت اسرائيل هي الراعي الاهم لكل حركات التمرد باعتراف زعمائها منذ الانانيا الى ما تتسمي بحركة تحرير السودان وفرعها الحالي المتسمي حركة جيش تحرير السودان وقطاع الشمال ، وسياسة استخدام الاقليات الاثنية والدينية والطائفية سياسة راسخة في الاستراتيجية الاسرائيلية عبر عنها بن غوريون ثم غولدا مائير ابان توليها حقيبة الخارجية الاسرائيلية ، تقول غولدا ( ان اضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من اجل تعظيم قوتنا واعلاء عناصر المنعة لدينا في اطار المواجهة مع اعدائنا ) ، وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة اخرى .
بيد ان حرب اسرائيل في السودان لم تكن دائما في طئ الخفاء فقد كشفت تقارير كثيرة منشورة وابحاث في الدوريات ومقالات في الصحافة الاسرائيلية النشاط الاسرائيلي في الجنوب منذ مطلع الستينيات ، ففي احد التقارير التي اعدها المحامي ايتي ماك ومعه البروفيسور عيدان لاندو ، يكشف تقريرهما خوض اسرائيل ، حربا سرية في جنوب السودان ، منذ ستينيات القرن الماضي ، ويقرران انها دعمت ما يسميانه نضال المتمردين الداعين للتحرر من حكم الخرطوم ، وهذا الدعم الاسرائيلي حسب لاندو نضال شرعي للتحرر ، وانما نبع بالاساس من مصالحها الاستراتيجية ، وقد بدات صفقات الاسلحة الاسرائيلية لجنوب السودان تتدفق في الستينيات عبر الاراضي الاوغندية ، فاول صفقة كانت عام 1963م ، ومعظمها من الاسلحة الروسية الخفيفة التي غنمتها دولة الاحتلال من مصر في عدوان 56، ثم في منتصف الستينات حتي السبعينات ، استمر تدفق الاسلحة من خلال احد العملاء الذي هو جابي شفيق ، وبعض هذه الاسلحة كانت روسية استولت عليها اسرائيل في حرب 1967 وقدرت مجلة معرجون العسكرية الاسرائيلية ان مجموع ما قدمته اسرائيل لجيش تحرير السودان خلال الحرب على الشمال مبلغ يربو علي 500 مليون دولار ، قامت الولايات المتحدة بتغطية الجانب الاكبر منه ، ووصل الامر بها الي تدريب مئات الضباط في اسرائيل والتكفل بدفع رواتبهم ، وقادة المخابرات الاسرائيلية يتفاخرون بذلك علنا حيث يقول الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الاسرائيلية ( امان ) عاموس يادلين :- لقد انجزنا عملا عظيما للغاية في السودان ، نظمنا خط ايصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه ودربنا العديد منها ، وقمنا اكثر من مرة باعمال لوجستية لمساعدتهم ، وشكلنا لهم جهازا امنيا واستخباراتيا ، وقد ارتفعت وتيرة الدعم في الثمانينيات لتبلغ الدعم المباشر للحركة الشعبية باسلحة متقدمة بل وتدريب عشرة من منسوبيها الضباط علي قيادة مقاتلات خفية للهجوم علي المراكز الحكومية في الجنوب ، بل ان اسرائيل وفرت للحركة الشعبية ولا تزال توفر صورا عن مواقع القوات الحكومية تلتقطها اقمارها الصناعية ، ويقوم بعض خبرائها بوضع الخطط الميدانية بل قيادة الطائرات والقتال الي جانب الانفصاليين .
وكانت اثيوبيا على عهد مانقستو تشكل مركز الدعم والامداد وانتقل المركز .
د.امين حسن عمر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية