الحـــركات المسلحـة بـين المهـلـة والضغـــوط



أبو عبيدة عبد الله-
في عام 2006م حينما وضع الوسيط في مفاوضات دارفور سالم احمد سالم مسودة اتفاق امام وفد الحكومة الذي كان يقوده الراحل مجذوب الخليفة، وحركة تحرير السودان بشقيها بقيادة مني اركو مناوي وعبد الواحد محمد نور، بجانب حركة العدل والمساواة بقيادة الراحل خليل ابراهيم، وافقت الحكومة رغم تحفظها على مسودة الاتفاق، فيما رفض مناوي التوقيع في بادئ الأمر، لكنه وتحت ضغوط مبعوث واشنطن للمفاوضات روبرت زوليك وقع، لكنه سرعان ما عاد وحمل السلاح مجدداً، اما عبد الواحد وخليل فلم يفكرا في التوقيع على ابوجا، وعبد الواحد كان متمسكاً بضرورة تعويض المتضررين تعويضات فردية، فيما طالب خليل بضرورة تعيين نائب للرئيس من الحركات.
وما بين 2006 و2016م مياه كثيرة مرت تحت الجسر، لكن ذات الحركات مازالت خارج الملعب السياسي، وانضم اليها قطاع الشمال بعد انفصال الجنوب، وتغير الوسيط سالم احمد سالم وجاء ثامبو امبيكي، ليضع مسودة اتفاق تم وضعه من رؤى ومقترحات الاطراف المختلفة باديس ابابا، وانضم اليها حزب الامة القومي بزعامة الصادق المهدي، ووضع امبيكي الاتفاق امام الفرقاء للتوقيع عليه، والحكومة سرعان ما وقعت بعد ان وجدت الاتفاق يحقق كثيراً من رؤاها ومقترحاتها، وهي من الحالات القليلة التي تمسك فيه الحكومة القلم من الوهلة الاولى للتوقيع على اتفاق وضعته الوساطة سواء اكان في ابوجا بجولاتها السبع او نيفاشا، دون ان تعدل او تتحفظ على بعض النقاط فيه، فوقعت الحكومة سريعاً قبل أن يطرأ اي جديد على موقف الوساطة بتغيير المسودة او غيره.

الاستراتيجية الأمنية والبناء
وحزم وفد الحكومة حقائبه على عجل وتوجه الى المطار ومنه الى الخرطوم، مؤكداً إن الحكومة قبلت بخريطة الطريق التي تقدمت بها الآلية الإفريقية بعد دراسة الاتفاق في إطار سعيها للسلام. واضاف أن أي طريق يؤدي الى السلام سيسلكه، وهذه الاتفاقية فيها وصف لطريق لسلام دائم في السودان.
وشرح أمين حسن عمر للصحافيين عقب وصوله مطار الخرطوم الكيفية التي اتبعتها الوساطة لتقديم خريطة الطريق، مشيراً الى انها دفعت بورقة وجلست مع كل طرف على حدة ثم تقدمت بخريطة طريق توضح كيف يمكن للأطراف الممانعة أن تكون جزءاً من الحوار الوطني الذي تجرى فعالياته بقاعة الصداقة بالخرطوم، والذي تقاطعه بعض قوى المعارضة.
أمين أعرب عن أمله في أن تتغلب روح المسؤولية الوطنية على الحركات المسلحة والأحزاب المعارضة بالإقبال على توقيع خريطة الطريق المعدة من قبل الآلية الإفريقية رفيعة المستوى التي وقعتها الحكومة. واشار الى أنه حال اختيارهم السلام فإن الطريق ممهد الآن، وأضاف قائلاً: «إذا كانوا مازالوا يعتقدون أن الحرب هي الخيار، اعتقد أن الوقت والظروف قد تقنعهم بأن هذا النوع من التفكير تفكير خاطئ».
بدون «قومة نفس»
الحكومة قد تكون لأول مرة تجد نفسها في موضع مريح يتيح لها امكانية ان تتفاوض مع طرف يحمل السلاح وهي هادئة البال، فالوضع السياسي داخل السودان مستقر بدرجة كبيرة من خلال الحوار الجاري حالياً، ورغم مقاطعة بعض الاحزاب الا ان الحكومة مسيطرة على الموقف وتدير العملية السياسية دون «قومة نفس».
اما ميدانياً فالمعادلة هنا غير موجودة، فحركات دارفور وبعد المعارك التي دخلتها مع الحكومة العام الماضي، فقدت السيطرة على كثير ان لم يكن كل من المواقع التي كانت تسيطر عليها، بل خرجت من اقليم دارفور بالكامل ودخلت الجنوب، لكن الصراعات التي تدور هناك وجدت الحركات نفسها حيالها أنها مضطرة الى ضرورة ان تنحاز الى طرف، فاختارت الجيش الشعبي لأنه يضمن لها الامداد والتشوين والتسليح، فقاتلت معه ضد رياك مشار، لكنها وبسبب الخلاف الذي وقع داخل مكونات الجبهة الثورية او بالاحرى بين حركات دارفور وقطاع الشمال حول قيادة الجبهة الثورية، آثرت حركات دارفور الخروج من الجنوب والتوجه الى الحدود مع ليبيا والقتال مع قوات حفتر، وفيها من ظل تائهاً في الصحراء، وهذا الوضع جعل كثيراً من قيادات تلك الحركات يستجيب لصوت العقل والانضمام لمسيرة الحوار والمشاركة في فعاليات قاعة الصداقة، امثال د. صالح ومحمد بحر محمدين وغيرهم من قيادات الحركات.
تمترس قطاع الشمال
اما قطاع الشمال فقد تمترس في الفترة الاخيرة في الشريط الحدودي مع دولة الجنوب المحاذي لولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، وظلت تلك القوات محاصرة وغير قادرة على التقدم بسبب العمليات العسكرية المكثفة التي شنتها القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى، وظلت تمارس قوات قطاع الشمال حرب العصابات على طريق الدلنج ــ كادوقلي، حيث تمارس السلب والنهب على الطريق العام.
هذا الوضع لحركات دارفور وقطاع الشمال جعل وضعها التفاوضي ضعيفاً، فضلاً عن عدم وجود ثقة كافية بين مكونات الجبهة الثورية، فالحركات لديها اعتقاد ان قطاع الشمال ربما يصل لاتفاق مع الحكومة خارج اطار الجبهة الثورية، وقطاع الشمال كذلك لديه ذات الاعتقاد في الحركات.
لكن دخول واشنطن وتهديدها للحركات المسلحة بضرورة التوقيع على خريطة امبيكي، ربما يؤدي لمواقف مغايرة خلال اليومين المقبلين، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تدخلها للضغط على الحركات المسلحة للتوقيع على خريطة الطريق التي وقعتها الحكومة للتفاوض بشأن المنطقتين ودارفور، وذكر القائم بالأعمال الأمريكي ستيفن كوستيس أن الحوار هو الحل الأوحد لمشكلات السودان.
موقف مغاير
اما حزب الامة القومي الذي شارك في المفاوضات فموقفه من خريطة امبيكي كان مغايراً لمواقف الحركات المتمردة، حيث اعلن الحزب تحفظه على بعض البنود، لكنه اشار الى ان الخريطة جيدة ويمكن ان تكون اساساً او قاعدة ينطلق منها لتحقيق السلام والاستقرار، وانحصرت تحفظات حزب الأمة في ثلاث نقاط هي المطالبة بأن يكون الاجتماع المزمع عقده في الخرطوم بين الآلية ولجنة «7+7» يضم الى جانبه الحكومة لمزيد من الضمانات، والامر الثاني هو ضرورة مشاركة قوى المعارضة الداخلية في الاجتماع التشاوري الذي ينعقد بالخارج لالحاق الرافضين بالحوار الوطني وليس حزب الأمة القومي وحده، والأمر الثالث هو ان يكون هناك نص صريح يشير الى ان الحوار الوطني الجاري حالياً يعد بداية، ولا يوصف بانه الحوار الوطني ثم يصير حواراً وطنياً او قومياً بعد اضافة الرافضين اليه.
وفي الخرطوم اتهمت قوى المعارضة الوساطة والحكومة بالتوقيع على خريطة طريق تنحاز لرؤية الحكومة ولا تستجيب لتطلعات السودانيين المشروعة، في محاولة لكسر إرادة أطراف المعارضة وتجاوز مطالب شعبنا في التغيير، حسب تعبيرها.
وقال بيان مشترك لقوى المعارضة إن الحكومة تمسكت بموقفها الرامي لإلحاق المعارضة بحوار «الوثبة» وقرارات الاتحاد الإفريقي التي دعت الى حوار وطني شامل يبدأ بعقد المؤتمر التحضيري في أديس أبابا. وأضاف أن وفد المعارضة طالب بحوار متكافئ وشفاف وشامل يحقق إنهاء الحرب والإجماع الوطني وتطبيع العلاقات الإقليمية والدولية. وتابع قائلاً: «لكن الحكومة والوساطة اختارتا التوقيع على خريطة طريق تؤدي الى إلحاق المعارضة بالحوار الجاري مما يؤدي الى إعادة إنتاج النظام والأزمة، ولكننا تمسكنا بمطالب الشعب ودفعنا بأفكار جديدة لتحقيقها».
آراء خاصة
د. غازي صلاح الدين رئيس حركة الاصلاح الآن كشف عن اتصالات سيجريها مع الأطراف التي رفضت التوقيع على وثيقة خريطة الطريق لمنحهم مقترحات تعينهم على التعامل معها. وقال للصحافيين: «حال قدمت لنا الورقة سننظر فيها، وسنخرج بقرار نراعي فيه إجماع القوى السياسية، وربما تطرح علينا الورقة كما طرحت على الطرف الآخر، وأنا قرأتها ولي حولها آرائي الخاصة».
وذكر أن هناك مجموعات مهمة جداً غير موجودة في الحوار، وأضاف في تصريحات صحافية قائلاً: «أكدنا مراراً وتكراراً أن هناك اجتماعات تشاورية غير رسمية وهي استكشافية لمعرفة أوجه الاختلاف».
وأوضح د. غازي أن الاجتماع الاخير لقوى المستقبل امس الاول ليست له أجندة، لكن من واجباته واختصاصاته تحديد الأجندة. وقال: «أمبيكي وضع مجموعة موضوعات هي الأجندة، ولا أستطيع الحديث عنها الآن لأنها أحيلت داخلياً الى لجنة للنظر فيها وكيف يمكن أن توضع وكيف يمكن التعامل معها». وقال: «دخلنا في التزام بألا ترفع أية قضية باعتبار أنها شرط يمنع التفاوض».
إنتاج الأزمة
ومن جانبها تقول قوى معارضة إنها رفضت التوقيع على خريطة الطريق لأجل وقف انحياز الوساطة لجانب الحكومة، مشيرة إلى أن توقيع اتفاق من طرف واحد يعيد إنتاج الأزمة ولا يحقق تطلعات الشعب السوداني في السلام والعدالة والتحول الديمقراطي.
وبحسب رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، فإن خريطة الآلية تناقض قرارات مجلس السلم والأمن الإفريقي، وتنحاز لرؤية الحكومة المعلنة بقصر الأمر على المؤتمر الوطني وبعض القوى الأخرى.
واتهم الدقير في تعليقه لـ «الجزيرة نت» الآلية الإفريقية بالتخلي عن الحياد في مهمتها كوسيط، مع محاولة سوق الجميع نحو «حوار الوثبة» الذي يجريه المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم حالياً.
أما حركة العدل والمساواة فاعتبرت خريطة الطريق تعبيراً عن إفلاس حقيقي للآلية، وقالت إن الوساطة وصلت إلى نهاية ما يمكن أن تقدمه بأن توقع على خريطة طريق دون موافقة أحد طرفي النزاع.
وقال الناطق الرسمي باسم الحركة جبريل آدم بلال لـ «الجزيرة نت» إن أمبيكي لم يعد قادراً على تقديم ما يفيد لمعالجة الأزمة السودانية، مشيراً إلى أنه لم يستطع التفريق بين موقفه وموقف الحكومة السودانية.
فيما يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين حسن الساعوري أن خريطة الطريق هي محاولة من أمبيكي للتوفيق بين ورقتي الحكومة والمعارضة، وليست عملية انحياز لأي طرف».
ويؤكد أن أمبيكي اقتنع بأن عملية الحوار الدائر في الخرطوم هي المناسبة لحل الأزمات السودانية، متوقعاً أن يكون رفض المعارضة هو للحصول على مهلة ربما تكون لتقديم مزيد من الاشتراطات أو بانتظار إشارة من أصدقائها في المنطقة أو الغرب.
امبيكي لم ييأس بعد ومازال بعد ثماني سنوات من تكليفه بملف التفاوض، يقول انه قادر على اجراء مشاورات تهدف للتوصل الى وقف شامل لإطلاق النار ووقف العدائيات تمهيداً لعقد مباحثات حول القضايا الاستراتيجية. وأشاد بتوقيع الحكومة على الاتفاق قائلاً إن الآلية دعت الى الاجتماع التشاوري الحكومة والحركات المسلحة ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي للتشاور حول كيفية الإسراع بعملية السلام والحوار الوطني.
نهاية المشكلات
وقال امبيكي إن الاتفاق تضمن خريطة واضحة تنهي مشكلات السودان بوقف الحرب والعدائيات والمسائل الإجرائية لعملية الحوار والمسائل الانسانية، ورجح أن توقع المعارضة على الخريطة بعد إكمال مشاوراتها.
وأضاف أن هذه الخريطة تفتح الباب لإنهاء الحرب والاقتتال في المنطقتين ودارفور والترتيبات الأمنية ووقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات لإكمال هذه القضايا.
وسيصل امبيكي الخرطوم يوم الثلاثاء القادم للمشاركة في اجتماع آلية «7+7» مع الأحزاب السياسية وترتيب لقاء بين آلية الحوار والحركات المسلحة وحزب الأمة بأديس أبابا، لمناقشة إجراءات المشاركة في الحوار الوطني.
ورأى أن توقيع الاتفاق من قبل الحكومة يمثل التزاماً لتسريع إكمال المفاوضات حول القضايا المذكورة: وقف العدائيات وإطلاق النار والمساعدات الإنسانية، ونبه إلى انه لا يمكن تأخير عملية السلام والحوار في السودان وإطالة معاناة المواطنين. وذكر أن الحوار الوطني سيكون وثيقة شاملة تناقش جميع القضايا السودانية وتنهي الحروب في السودان.
التطور الجديد في خريطة امبيكي هو تدخل رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي نكوسازانا دلاميني زوما بكل قوة، وإمهالها المعارضة حتى يوم الإثنين القادم للتوقيع على خريطة الطريق.
وأثنت زوما على الحكومة السودانية لتوقيعها على اتفاق خريطة الطريق التي اعتبرتها جزءاً من الجهود الرامية إلى التصدي للتحديات العديدة التي تواجه السودان. ودعت زوما الأطراف الممتنعة للتوقيع على وجه السرعة على الاتفاق، وفي مدة أقصاها حتى «28» مارس الحالي، من أجل إعطاء دفعة لعملية ستؤدي إلى تسوية الصراعات المتعددة في السودان. وطالبت الأطراف التي لم توقع بعد بالكف عن إطلاق أية تصريحات علنية لا تخدم الهدف الأسمى، وهو سلام دائم في السودان.
إذن ما بين مهلة الاتحاد الإفريقي التي ستنتهي يوم الإثنين القادم ودراسة حزب الأمة لخريطة أمبيكي وضغوط واشنطن لإلحاق الرافضين، يتبين أن الأسبوع المقبل سيشهد كثيراً من التطورات التي ستلقي بظلالها على الساحة السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وربما ينتقل الملف إلى مجلس الأمن الذي من المؤكد أنه سيتدخل لحسم الأمر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية