بين سلفا ومشار وباقان ووسخ الخرطوم !
ما ارخص الدم الجنوبي عند قادة
الجنوب بل ما اعجب وما اغرب ما يجري في تلك الدولة التي ظلت تعاني من الكساح
وتمارس الانتحار البطئ كل يوم بل كل ساعة منذ ان خرجت الى الدنيا وذلك بفعل
قياداتها السياسية والقبلية التي تفتات على دماء واشلاء شعبها المغللوب على امره .
لم اعرف هل اضحك ام ابكي والله
لقرار اعادة الرئيس سلفاكير نائبه السابق رياك مشار الي ذات المنصب الذي كان قد
اقاله منه في عام 2013م مما تسبب في انفجار اكبر حرب اهلية وابشع مذبحة يشهدها
جنوب السودان يف تاريخه الطويل .
كانت مجلة الايكونوميست البريطانية
ذات المصداقية العالية قد ذكرت في تقرير لها من مدينة جوبا ان عدد القتلي خلال
شهرين من انفجار المعارك بين معسكر سلفاكير من الدينكا ومعسكر مشار من النوير
وتحديدا من منتصف ديسمبر 2013م الي منتصف فبراير من العام التالي تجاوز الحرب التي
اشتعلت بين الشمال والجنوب خلال 22 عاما اي منذ ان اعلن قرنق تمرده في عام 1983
الي ان توقفت الحرب بعد ابرام اتفاق نيفاشا في 2005 ، ونتج عن معارك الشهرين فرار الملايين
من مواطني جنوب السودان بعد ان عادوا اليه ممنين انفسهم بالجنة والنعيم المقيم في
موطنهم الذي اختاروا ان ينفصلوا به بغضا في الانسان الشمالي ( المندكورو ) الذي
لطالما ابغضوه ( وفرزوا عيشتهم ) منه بعد وحدة ملغومة لم يجن منها السودان الشمالي
غير الدماء والدموع والتخلف .
بربكم الا يستحي الرجلان ( سلفا
ومشار ) وهما يعودان الي وضعهما السابق كرئيس ونائب رئيس وكان سنوات القطيعة التي
قاربت الثلاث قد طوبت بين غمضة عين وانتباهتها او كان مئات الالاف من مواطنيهم
الذين قضوا في تلك الحرب المجنونة بين القبيلتين الكبريين خلال تلك السنوات العجاف
كانوا مجرد بعوض ابيد خوفا من الملاريا او كان الدمار الذي لحق بكل من جوبا وملكال
وعدد من المدن الجنوبية التي سويت بالارض لايعني الرجلين اللذين قتلا ذلك الحلم
الجميل الذي لطالما دغدغ شعبها الملكوم الذي فر من بقى منه حيا ولم تحصده الة
الحرب من بلاده بحثا عن الامان ؟!
ما ان تم الاعلان عن تعيين مشار في
موقعه السابق حتى بادر بوضع شروط العودة الي جوبا خوفا من تكرار المؤامرة التي
كانت تستهدفه حين انفجرت الاحداث في ديسمبر 2013 ، وطالب الرجل كشرط للعودة الي
جوبا لمباشرة مهامه اخلاء العاصمة من جيش الدينكا الموالي لسلفاكير والرابض في
جوبا تامينا لها من ثورة القبائل الاخري المتململة سيما وان جوبا تقطنها الدينكا
على مدينتهم المحتلة .
بالله عليكم كيف يعمل رجلان ( رئيس
ونائب رئيس ) في حكومة واحدة في حين ان كلا منها يتربص بالاخر ؟! هذا مافرضته الوساطة
الافريقية العمياء على الجنوب وهذا هو مستوي الحكمة الافريقية التي تظن انها
ستعالج مشكلة الحرب في جنوب السودان بهذه السذاجة التي تشبه حالة من يعالج السرطان
بالبنادول .
قالها قديما حكيم الجنوب باسفيكو
لادو لوليك ان الشماليين يمثلون ( النشارة ) بين اكواب الزجاج بالنسبة للجنوبيين
فاذا ارزيحت ( النشارة ) تكسر الزجاج المرتطم في بعضه البعض .
الان علم الجنوبيون جميعا ان
المواطن الشمالي ارحم بهم من انفسهم وانه لم يكن يستهدفهم او يتحرش بهم ناهيك عن
ان يقتلهم حينما كانوا يعيشون في الشمال بالرغم من ان ابناء الشمال كانوا يواجهون
الموت في احراش الجنوب دفاعا عن بيضة الدولة السودانية التي كانت وقتها متحدة
شمالا وجنوبا وبالرغم من التمردات الجنوبية ضد الشمال منذ عام 1955 في تمرد توريت
مرورا باحداث الاحد الدامي في الخرطوم عام 1964 واحداث الاثنين الاسود عام 2005م .
لم ننس عدو الشمال باقان الذي ما
غادر الشمال عقب الانفصال الا بعد ان قال عبارته المسيئة التي حفرت في ذاكرة
الشمال وشعبه : ( ارتحنا من وسخ الخرطوم ) .. ( باي باي للعبودية .. باي باي للعرب
) ! لكن الرجل الذي كان ( يبرطع ) كما يحلو له ويهاجم ويسخر ( علي كيفو ) حين كان
يعيش في الخرطوم ذاق وبال امره في الجنوب حيث اعتقل واوشك ان يفقد حياته في موطنه
الذي لطالما حلم به ..!
بالرغم مما يعاني منه الجنوب الان
وبالرغم من تجربة الشمال المريرة معه منذ ما قبل الاستقلال يريد قصار النظر ممن لا
ينظرون الا تحت اقدامهم ان يعيدونا الي ذات المربع القديم لنكرر وحدة الدماء
والدموع ونجتر تجربة الفشل ونستنسخها من جديد ولكن هيهات .
الطيب مصطفي
تعليقات
إرسال تعليق