مقترحات امبيكي



اول امس قام رئيس الآلية الأفريقية بزيارة الخرطوم لإقناع النظام بالاجتماع التشاوري أو التحضيري كما يسميه البعض وفي المقابل محاولة تقريب وجهات نظر المعارضة الداخلية واستطلاع رأيها. امبيكي ابتدر الزيارة بالعزاء في الترابي وعقد اجتماعا مطولا مع غازي صلاح الدين وتحالفه الجديد المسمى تحالف قوى المستقبل، لكن امبيكي لم يدعو او يقابل اي من قوى الإجماع الوطني، والتى بدورها عبرت عن يأسها من نتائج المقابلة أن حدثت.
وكالعادة جاء امبيكي محملا بالمقترحات، فهذه ألمر ة دعا إلى لقاء " مكاشفة" بين القوى السياسية السودانية و ربما يكون داخل السودان. والحقيقة أن الرجل يقف في موضع لا يحسد عليه، فهو لم يتمكن من إحراز أي تقدم في المفاوضات أو تقديم أي حلول مرضية للأطراف السودانية التي تزيد تشرذما وتعقيدا كل يوم. فكل يوم يولد تحالف جديد وبالمقابل يولد انشقاق جديد أيضا. فالنظر إلى خريطة المعارضة في السودان أصبح يسبب الارتباك. وأمبيكي وبطبيعة ارتباطه بالاتحاد الافريقي الذي يتبنى توجه أكثر قربا من النظام، يجد صعوبة كبيرة فيما يبدو في سد الهوة بين اشتباك المسرح السياسي المعارض وتعنت النظام وتحفظ الاتحاد الأفريقي في طرح حلول أكثر جرأة وقوة للأزمة السودانية.

ان تجربة امبيكي في جنوب افريقيا كمفاوض ساعد على التسوية مع نظام الفصل العنصري، يبدو أنها لم تفعل بشكل كامل في مقترحاته لحل الأزمة السودانية. فالجراة والتقدم بحلول ومقترحات غير تقليدية وصعبة هو ما أدى في النهاية للوصول لحل في جنوب افريقيا إضافة طبعا لقدرة مانديلا على تقديم تنازلات ودفع الطرف الآخر لتقديم تنازلات مماثلة. المقارنة هنا ليست للمطابقة بين الحالتين، بل لأن الوضع السوداني يتطلب من امبيكي الخروج عن حالة التحفظ التي يتبناها الاتحاد الأفريقي والتجرؤ على تقديم مقترحات تكسر الجمود الحالي في العملية السياسية.

وربما من المهم الإشارة إلى أن القرارت الأفريقية الأخيرة من بينها القرار 539وسع من نطاق عمل الآلية لتشمل حل الأزمة السياسية في السودان ككل من دارفور إلي جبال النوبة والنيل الازرق إلى التحول الديمقراطي. أي على امبيكي إيجاد حلول "لكل" مشاكل السودان. ولا أعتقد أن هذا ممكن. لذا يشعر الرجل بالإحباط والتخبط في المقترحات. ما تحتاج له الآلية الأفريقية هو تغيير كلي في طريقة نظرتها للازمة السودانية والتقدم بشجاعة لتقديم حلول وأفكار من خارج الصندوق. والتحرر من قبضة المقترحات الصغيرة إلى مقترحات كبري وطموحة.

لقد بدأت الازمة السودانية الأخيرة منذ خمسة سنوات وكانت الآلية قائمة وقتها لحل قضايا الإنفصال، وتمددت صلاحياتها سنويا حتى شملت كل قضايا السودان. وبالمقارنة مع الأزمة السورية الأكثر تعقيدا من السودان، والتى تشمل قوي أكثر قوة وتعنتا وعنفا، نجد أن العالم تمكن من الوصول إلى فتح ممرات إنسانية وهدنة على هشاشتها، بل حتى الازمة اليمينية في طريقها إلى الحل خاصة الوضع الإنساني حيث سمحت الاطراف بإيجاد وسائل لإدخال المساعدات للمدنيين. لكن السودان لا يزال يواجه مشكلة إدخال المساعدات لمناطق الحركات المسلحة منذ خمسة سنوات إلى الآن.
قد يحاجج البعض بأن سوريا واليمن بهما تدخل دولي كبير سيطر على الأوضاع هناك، وهذا عامل مهم. لكن يجب أن لا ننسى أن السودان هو أيضا من أكثر الدول التي بها تدخل دولي. على الأقل يجب أن لا ننسى عشرين ألف جندي اجنبي موجودون منذ سبعة سنوات في قوات حفظ السلام بدارفور. كما أن الآلية الأفريقية نفسها مع عددهائل من المبعوث الدوليين يحاولون بحث حل لقضية السودان منذ خمس سنوات. إذن ليس ما ينقص السودان التدخل الدولي سياسيا أو عسكريا، بل ينقصه الجدية والجرأة في طرح حلول جديدة والاستعداد للضغط على النظام خاصة وبقية الأطراف بقدر كافي يوصل التفاوض إلى حلول عاجلة على الأقل فيما يخص فتح الممرات الإنسانية ووقف القصف العشوائي من خلال هدنة حقيقية ومراقبة دوليا.
عثمان نواي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قرقاش يستقبل وزيرة الخارجية السودانية

مشاركة متميزة للوفد الرياضي بكأس الأمم الإفريقية

حزب الوطن:القوات المسلحة والدعم السريع الضامنان للفترةالانتقالية